
يشكل الإفراط في استهلاك الماء تهديدا خفيا على الصحة العامة قد لا يدركه الكثيرون فعلى الرغم من أن الماء أساسي للحياة وأن الجفاف يمثل خطرا معروفا فإن زيادة الترطيب عن الحد الطبيعي قد تتحول إلى مشكلة خطيرة تؤثر بشكل مباشر على وظائف الكلى التي تعد نظام الترشيح الدقيق في الجسم.
إن الدور الحقيقي للكلى يتجاوز مجرد ترشيح السوائل فهي تعمل كمنظم دقيق يحافظ على التوازن بين الماء والأملاح والمعادن الحيوية داخل الجسم وعند شرب كميات مفرطة من الماء يحدث تخفيف لتركيز الصوديوم في الدم وهي حالة طبية تعرف بنقص صوديوم الدم هذا الخلل يجبر الكلى على العمل بجهد مضاعف لإعادة التوازن مما يسبب إرهاقا صامتا وضغطا طويل الأمد على هذا العضو الحيوي.
تظهر خطورة الإفراط في شرب الماء في الحالات الشديدة بأعراض تتعدى كثرة التبول فقد يؤدي إلى ما يعرف بالتسمم المائي الذي يسبب تورما في الدماغ وشعورا بالغثيان وارتباكا وقد يصل الأمر إلى حدوث نوبات صرع ويكون الرياضيون أكثر عرضة لهذه الحالة عندما يحاولون تعويض السوائل المفقودة أثناء التمارين المكثفة دون الانتباه إلى ضرورة موازنة الأملاح والمعادن كما أن الأشخاص الذين يعانون من مشكلات صحية في القلب أو الكلى قد يتسبب لهم فرط الترطيب في تفاقم التورم واحتباس السوائل وتقلبات ضغط الدم.
لا توجد كمية موحدة لشرب الماء تناسب الجميع ففكرة الثمانية أكواب ليست قاعدة علمية دقيقة إذ تختلف احتياجات كل شخص بناء على عوامل مثل العمر والمناخ ومستوى النشاط البدني والحالة الصحية بشكل عام وبحسب الدراسات فإن الكلى لدى البالغين الأصحاء قادرة على معالجة ما يتراوح بين 0.8 ولتر واحد من الماء خلال ساعة واحدة وتجاوز هذه الكمية قد يرهق أجهزة الجسم ويوصي الخبراء بأن يتراوح إجمالي السوائل اليومية التي يحصل عليها الشخص من الماء والطعام والفواكه بين 2.5 و3.5 لتر للحفاظ على صحة معظم البالغين.
يعتمد الترطيب الذكي على تنويع مصادر السوائل وليس فقط على شرب كميات كبيرة من الماء العادي فتناول الأطعمة الغنية بالماء مثل البطيخ والخيار والبرتقال يمد الجسم بالسوائل والمعادن الأساسية كما أن المشروبات مثل شاي الأعشاب وماء جوز الهند واللبن الرائب توفر الإلكتروليتات الضرورية التي يفتقر إليها الماء وحده ومن الأفضل توزيع شرب الماء على مدار اليوم بدلا من استهلاك كميات كبيرة في وقت قصير لتخفيف العبء على الكلى كما أن الماء الذي يكون بدرجة حرارة الغرفة يسهل على الجسم امتصاصه مقارنة بالماء شديد البرودة.
كشفت تجارب بعض الأشخاص الذين خاضوا ما يسمى بتحديات التخلص من السموم عبر الماء أنهم شعروا بالتعب والانتفاخ والدوار بدلا من الشعور بالانتعاش والنشاط وتؤكد هذه التجارب أن ترطيب الجسم ليس منافسة لكمية المياه المستهلكة بل هو عملية توازن دقيقة تحتاجها وظائف الجسم الحيوية وهو ما تذكرنا به الكلى بصمت في كل يوم.