
يُعرف النقرس بكونه أحد أشكال التهاب المفاصل المؤلمة وقد أُطلق عليه قديماً اسم داء الملوك لارتباطه بأنماط حياة معينة ورغم شيوعه بين كبار السن إلا أنه أصبح يصيب فئات عمرية أصغر بشكل متزايد. وينتج هذا المرض عن ترسب بلورات حمض اليوريك الحادة داخل المفاصل مما يسبب نوبات التهاب شديدة ومفاجئة.
تتعدد العوامل التي تساهم في ارتفاع مستويات حمض اليوريك في الدم وهو المسبب الرئيسي للنقرس. فمن جهة قد يعود السبب إلى زيادة إنتاج الجسم لهذا الحمض نتيجة اضطرابات وراثية أو بعض أمراض الدم ومن جهة أخرى قد يكون السبب هو ضعف قدرة الكلى على التخلص منه بكفاءة سواء بسبب أمراض الكلى المزمنة أو تراجع وظائفها. كما يلعب النظام الغذائي دوراً محورياً حيث أن الإفراط في تناول اللحوم الحمراء والمأكولات البحرية مثل الجمبري والسردين والأطعمة المشبعة بالدهون والمشروبات السكرية يزيد من خطر الإصابة. وتعد السمنة وزيادة الوزن عاملاً مهماً أيضاً لأنها تزيد من إنتاج حمض اليوريك وتقلل من قدرة الجسم على تصريفه. بالإضافة إلى ذلك هناك بعض الأدوية مثل مدرات البول والأسبرين بجرعات منخفضة وبعض الأمراض المزمنة كالسكري وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب التي قد ترفع خطر الإصابة.
تظهر أعراض النقرس غالباً بشكل مفاجئ وحاد وعادة ما تبدأ خلال ساعات الليل. يتمثل العرض الأبرز في ألم شديد ومبرح في المفصل المصاب وعادة ما يكون إصبع القدم الكبير هو أول المتأثرين لكن الألم قد يطال مفاصل أخرى مثل الكاحل والركبة والرسغ والكوع. ويصاحب هذا الألم تورم واضح في المفصل مع شعور بالدفء عند لمسه وقد يتغير لون الجلد المحيط به إلى الأحمر أو الأرجواني. يشعر المريض أيضاً بتصلب في المفصل وصعوبة بالغة في تحريكه بسبب شدة الألم والالتهاب. وقد تتكرر هذه الهجمات المؤلمة على فترات متقطعة وتزداد حدتها ما لم يتم التعامل مع السبب الجذري للمرض وفي بعض الحالات الشديدة قد يعاني المريض من أعراض عامة كالحمى الخفيفة والإرهاق.
إن إهمال التعامل مع النقرس قد يقود إلى مضاعفات صحية خطيرة تتجاوز مجرد الألم المتقطع. فتكرار النوبات الحادة يمكن أن يؤدي مع مرور الوقت إلى تلف دائم في المفصل وتآكل الغضاريف وفقدان وظيفته بشكل كامل. ومن المضاعفات الشائعة أيضاً تكون عقيدات صلبة تسمى توفوس وهي ترسبات من بلورات حمض اليوريك تتشكل تحت الجلد حول المفاصل وفي أماكن أخرى كصيوان الأذن. كما أن ارتفاع حمض اليوريك لا يؤثر على المفاصل وحدها بل قد يترسب داخل الجهاز البولي مسبباً تكون حصوات الكلى المؤلمة. وفي الحالات المتقدمة والمزمنة قد يصل الأمر إلى تلف الكلى واعتلال وظائفها أو حتى الفشل الكلوي.
يرتكز علاج النقرس على محورين أساسيين هما السيطرة على أعراض النوبة الحادة والعمل على خفض مستوى حمض اليوريك في الدم لمنع تكرارها. أثناء الهجمة يتم وصف الأدوية المسكنة والمضادة للالتهاب لتخفيف الألم والتورم سريعاً. أما للعلاج طويل الأمد فيتم استخدام أدوية تعمل على خفض إنتاج حمض اليوريك أو زيادة قدرة الكلى على إخراجه من الجسم. ويعد تغيير نمط الحياة جزءاً لا يتجزأ من العلاج حيث يُنصح المريض بشرب كميات وفيرة من الماء لدعم وظائف الكلى وتخفيف الوزن الزائد وممارسة النشاط البدني بانتظام. ومن الضروري أن يتم استخدام أي دواء تحت إشراف طبي دقيق لتحديد الجرعة المناسبة وتجنب أي مضاعفات أو تداخلات دوائية.
يمكن اتخاذ العديد من الإجراءات لتقليل خطر الإصابة بالنقرس أو منع تكرار نوباته. يوصى باتباع نظام غذائي صحي يركز على الإكثار من الخضروات والفواكه الطازجة واختيار مصادر البروتين الصحية مثل الدجاج منزوع الجلد والبقوليات كالعدس والفاصولياء. وفي المقابل يجب تقليل استهلاك اللحوم الحمراء والمأكولات البحرية الغنية بمادة البيورينات التي تتحول إلى حمض اليوريك في الجسم. كما أن الحفاظ على ترطيب الجسم بشرب كميات كافية من الماء يومياً وتجنب المشروبات الغازية المحلاة والمشروبات الكحولية يساعد بشكل كبير. ويعد الحفاظ على وزن صحي وممارسة الرياضة بانتظام من أهم العوامل لتحسين الدورة الدموية وتقليل الالتهابات. أما بالنسبة للأشخاص الذين لديهم تاريخ عائلي للمرض فيُنصح بإجراء فحص دوري لمستوى حمض اليوريك في الدم.