
كشفت دراسة حديثة أجراها فريق من الباحثين في جامعة نورثويسترن أن الإفراط في تناول الطعام ليس سلوكا واحدا بل هو ظاهرة معقدة تتجلى في خمسة أنماط سلوكية متمايزة. هذه الأنماط تسلط الضوء على التفاعل العميق بين الحالة العاطفية للإنسان وعاداته اليومية وبيئته الاجتماعية وتأثير كل ذلك على علاقته بالطعام.
وجد الباحثون بعد مراقبة 60 شخصا يعانون من زيادة الوزن على مدى أسبوعين باستخدام أجهزة استشعار وتطبيقات لتتبع الحالة المزاجية أن دوافع الإفراط في الأكل تختلف بشكل كبير من شخص لآخر. أحد أبرز هذه الأنماط هو الأكل المسائي المدفوع بالتوتر حيث يلجأ الأفراد لتناول كميات كبيرة من الأطعمة الغنية بالسعرات الحرارية والتي تعرف بأطعمة الراحة كوسيلة للتعامل مع مشاعر الإجهاد أو الوحدة في نهاية اليوم.
نمط آخر شائع يتعلق بالشهوات المسائية حيث يتناول الأشخاص الطعام في وقت متأخر من الليل كجزء من طقوس الاسترخاء بعد يوم عمل طويل. ويرتبط هذا السلوك غالبا باضطرابات في الساعة البيولوجية للجسم مما يزيد من حدة الشهية والرغبة في استهلاك الأطعمة المليئة بالطاقة خلال الليل.
كما حددت الدراسة نمطا مرتبطا بالمتعة أطلق عليه أكل المتعة غير المنضبط. في هذه الحالة يكون التركيز على اللذة التي يوفرها الطعام نفسه ويحدث هذا السلوك غالبا بشكل غير واع أثناء الانشغال بمهام أخرى مثل العمل أو الدراسة حيث يؤدي الإجهاد العقلي إلى إضعاف القدرة على التحكم في النفس وتناول الطعام دون انتباه.
لا تقتصر المشكلة على الأكل الفردي بل تمتد لتشمل السياقات الاجتماعية. فقد لوحظ نمط الولائم الجاهزة حيث يميل الأفراد إلى الإفراط في تناول الوجبات السريعة خاصة عند التجمعات. إن سهولة الحصول على هذه الوجبات وأحجام حصصها الكبيرة وطعمها الجذاب كلها عوامل تشجع على استهلاك كميات تفوق الحاجة. وبشكل مشابه يظهر نمط ولائم المطاعم المسائية الذي يحدث عند تناول الطعام مع الأصدقاء أو العائلة حيث تساهم الأجواء الاجتماعية المريحة في إطالة مدة الوجبة وبالتالي زيادة كمية الطعام التي يتم تناولها.
يشير الباحثون إلى أن فهم هذه الأنماط المختلفة قد يساهم في تطوير تدخلات علاجية أكثر فعالية وتخصيصا لكل حالة بدلا من التعامل مع الإفراط في الأكل كمشكلة واحدة.
وللحد من هذه السلوكيات يقدم الخبراء مجموعة من النصائح العملية. يوصى بتجنب الوصول إلى مرحلة الجوع الشديد التي تدفع إلى اتخاذ خيارات غير صحية وتناول كميات كبيرة. كما يُنصح بتناول الطعام بوعي وتركيز بعيدا عن المشتتات مثل شاشة التلفزيون أو الهاتف المحمول. إن اختيار الأطعمة المشبعة والغنية بالبروتين والألياف يساعد على الشعور بالامتلاء لفترة أطول. من الاستراتيجيات المفيدة أيضا الانتظار لمدة عشرين دقيقة قبل التفكير في الحصول على حصة ثانية لإعطاء الدماغ فرصة لتسجيل الشبع. ويوفر طهي الطعام في المنزل قدرة أكبر على التحكم في حجم الحصص والمكونات المستخدمة. وأخيرا لا ينبغي حرمان النفس تماما من الأطعمة المفضلة بل يجب تناولها باعتدال وضمن نظام غذائي متوازن.