
كرداسة قلعة الجلابيب.. قرية تخوض معركة يومية دفاعاً عن هوية الأزياء المصرية
خريطة واسعة وشديدة التنوع، ومجتمعات تتشابه لدرجة التطابق، وتتمايز لدرجة الاختلاف الكامل، يصعب اختزال إنثروبولوجيا مصر وثقافته البصرية وملبسها فى منسوجة واحدة، أو تحت عنوان بعينه؛ فلكل بيئة حاضرها وماضيها وتراثها، ولكل نطاق خاماته وتفاصيله وتفضيلاته وهويته الخاصة. وأينما ولّيت وجهك ستجد صورة لا تشبه غيرها؛ وإن اقتربت منها. كل واحدة تعبر عن نفسها، وتمتزج مع أختها فى التعبير عن الوطن، وكلها يمكن أن تراها معًا على بعد كيلو مترات من منطقة الأهرامات، أهم ملامح الهوية والميراث الحضارى، وأثمن آثارها الباقية.
على أطراف مدينة الجيزة، تقع كرداسة، التى تعد واحدة من أهم حواضر التراث المصرى فى صناعة الملابس التقليدية، كونها قريبة من الأهرامات ونزلة السمان كانت قبلة السائح العاشق للملابس التراثية والصناعة اليدوية المصرية المميزة، ويقول «مصطفى رضوان» السبعينى الذى يعد أحد أقدم صناع وتجار الملابس التراثية بحى كرداسة، حيث عمل فى هذا الشارع منذ أن كان فتى صغير لا يتجاوز العشرة أعوام، يعشق الملابس التراثية على اختلاف أنماطها: إن الملابس التراثية لها بهجة وصنعة أصيلة، أول ما بدأت فى كرداسة اشتغلت صبى عند صاحب محل بجمع له قطع الملابس من الفتيات والسيدات قاصدات حى كرداسة لبيعها على اختلاف أنماطها «صعيدى، سيناوى، فلاحى» تقريبا لم يكن المصريون وقتها يعرفون كرداسة فقط السواح هم زوار المكان، والأجانب يعرفون جيدا قيمة الصناعة اليدوى، السائح وهو بيتفرج على القطعة لو معجبتوش بيطبقها ويحطها على الرف بكل حرص، عارف أنها أخدت من جهد وروح صانعها».
يضيف الحاج «رضوان» كبرت فى هذا الشارع ولم يعد هناك سوى عدد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة الذى يهتم ببيع الملابس التراثية ذات الصنعة الأصيلة، الكل بقى يركب الشرايط الجاهزة التى تشبه التطريز اليدوى، ولكن التطريز اليدوى السيناوى لا يزال يأتى من «بئر العبد»العبايات والشيلان مصنوعة بكل حب بالخيوط الملونة وغرزة الكنفاه الدقيقة التى تشتهر بصناعتها الفتيات هناك، أما أقمشة «التلى» أفضل من يتقنها أهل سوهاج، تأتى من أخميم سر صنعتها عندهم وبس، صعب حد تانى يعملها زيهم. كلنا بنشوفها مجرد نقوش حلوة مغزولة بخيوط الفضة على القماش، بس مش كتير يعرفوا إن النقوش دى لها معانى زى اللى منقوشة على جدران المعابد الفرعونية. بياخدوا من المناسبات الحلوة النقوش زى العروسة، وفتافيت السكر، والحصان، وإيدك فى إيد أخوك، وأنوار الفرح وكل ست وهيا بتطرز بترسم لوحة ممكن فك رموزها وقراءتها».
يتابع الحاج «رضوان»: « كرداسة اشتهرت بالعبايات والملابس التراثية، لأنها كانت مصدر دخل كثير من العائلات المهتمة بالتصنيع والبيع ولكن المهنة بدأت تنقرض، وقليل اللى بيورث المهنة من أهله، حتى تصنيع الغزل والنسيج على «النول» مهدد بالزوال، اللى بيموت ماحدش بيشتغل بعده، والجيل الجديد شايف إن التعب المبذول غير مجز، والست اللى بتطرز العباية فى شهر وشهرين بيكون العائد المادى لها غير كاف للتعب وثمن الخيوط».
يتدخل فى الحديث « محمد السمان» أحد العاملين فى شارع كرداسة فيقول لـ” سبق 24″ إن كل الشارع به محلات لبيع العباية والجلابية ويضيف «بنحاول نحافظ على الهوية المصرية، بناخد من الجلابية الفلاحى إنها واسعة ومريحة، وبناخد من العباية السيناوى النقوش الحلوة بس بقى صعب تكون تطريز يدوى، الصين علملتها شريط بيتلزق ولذلك بيكون السعر أقل بقليل، وكمان واخدين موديلات القفطان والملس الحشمة والفخامة، لأن صعب واحدة تلبس جلابية أو ملس بالشكل التقليدى فى حياتها العادية، بس الآن حى كرداسة أصبح مزارا للمصريين فى المناسبات.
عباءة أخرى تراثية
عباءة تراثية
عم رضوان داخل محله
عم رضوان
قطعة تراثية أخرى
قطعة تراثية