
مصر لا تعرف اليونيفورم.. مصممة ملابس: بلدنا أكثر الدول غنى بالأزياء التراثية
أخذت الملابس طابعها الثقافى على امتداد قرون طويلة، وصارت تُمثّل واحدة من مفردات الهوية البارزة؛ أو لعلها أبرزها، باعتبار أنها الأكثر ظهورا وقدرة على التعبير البصرى المباشر من دون حاجة إلى الاختلاط والنقاش.
كثير من البلدان تُعرف بأنماط معيّنة للزى، تبدّلت أو تطوّرت مع الزمن؛ لكنها ظلت ذات خصائص واضحة وعناصر شبه ثابتة، أما فى مصر فالأمر أكثر اتّساعا وتنوّعا، ويُشبه طبقات مركبة ومتتابعة من الأفكار والثقافات، تراكمت فوق بعضها كتراكم العصور التى عاشها المصريون، حتى لم يعُد لديهم نمط واحد يُمكن الإشارة إليه، أو ملابس موحّدة، أو يمكن إيجاز ذلك بأن «مصر لا تعرف اليونيفورم».
الأزياء ليست مجرد أقمشة وخيوط، بل هى سطور مكتوبة بلغة الألوان والخيوط، تحكى تاريخ الشعوب وتعكس هويتهم، وعبر خيوط التراث المنسوجة بحب، تطل مصر بثوبها المتنوع من شمالها إلى جنوبها، حاملة فى كل غرزة حكاية، وفى كل لون ملامح وطن. إلا أن هذا الغنى اللافت لم يُترجم بعد إلى زى وطنى موحد يعبر عن مصر كما يفعل «السارى» فى الهند أو «القفطان» فى المغرب.
ومن قلب هذا المشهد بين الماضى والحاضر، تتحدث مصممة الأزياء التراثية «شيم الجابى»، عن جمال الأزياء المصرية القديمة، وكيف يمكن أن تتحول من ذكرى محفوظة فى المتاحف إلى موضة نابضة بالحياة، تصلح ليومنا العادى وتعبر عن شخصية مصر الحقيقية.
تقول «شيم» إن مصر من أكثر الدول غنى بالأزياء التراثية، حيث تمتلك كل محافظة زيًا مميزًا يعكس طابعها الثقافى، على سبيل المثال، تمتلك النوبة زى «الجرجار»، ويتميز البدو فى الصحراء بثوبهم التقليدى المختلف كليًا عن نظيره فى سيناء. أما فى صعيد مصر، فهناك فن «التلى» المطرز، بينما يبرز فى الريف «الجلابية الفلاحى». وتختلف مكملات الأزياء التراثية من منطقة لأخرى، مما يضفى تنوعًا لافتًا على المشهد الثقافى المصري.
وتضيف المصممة أن مصر لا تمتلك زيًا وطنيًا موحدًا يشبه «السارى» فى الهند أو «القفطان» فى المغرب، والسبب فى ذلك يعود إلى الغنى الثقافى الناتج عن فترات الاستعمار والتأثيرات الحضارية المتعددة التى مرت بها البلاد، ما خلق تنوعًا فريدًا فى الأزياء.
هل يمكن ارتداء الملابس التراثية فى الحياة اليومية؟
توضح «شيم الجابى» أن هناك اعتقادًا خاطئا بأن الأزياء التراثية لا تصلح للحياة اليومية، لكن هذا المفهوم تغير بشكل كبير، بفضل وعى المصممين الشباب الذين أدركوا قيمة التراث وأهمية دمجه بالحداثة. ويبرز هذا التوجه فى معارض مثل «تراثنا»، الذى تقيمه الدولة سنويًا ويشهد مشاركة واسعة من المصممين الذين يقدمون أزياء عصرية بلمسات تراثية، بالإضافة إلى إكسسوارات تطورت لتخدم الذوق العصرى.
وتؤكد «شيم» أن الأزياء التراثية فى مصر لم تندثر، بل تطورت بشكل ملحوظ، وكان للدولة دور كبير فى دعمها من خلال برامج التنمية مثل «مؤتمر التكتلات الاقتصادية» الذى أقيم فى محافظة سوهاج. وقد شاركت فيه شيم ضمن فريق العمل، حيث ساهمت فى تدريب الفتيات على تنفيذ غرز ثلاثية الأبعاد مستوحاة من غرزة «التلى» التراثية، ليتم توظيفها لأول مرة فى تصميمات عصرية وإكسسوارات منزلية.
وتختتم المصممة حديثها قائلة إن الملابس التراثية تمثل جزءًا جوهريًا من الهوية الثقافية لأى شعب، ومن المهم الحفاظ عليها وتطويرها لتواكب العصر. وترى أن دمج المفردات التراثية فى التصاميم الحديثة يساهم فى إعادة إحياء التراث وتقديمه بشكل يتماشى مع الموضة العالمية، كما تشير إلى اتجاه عدد من البلوجرز والتيك توكرز إلى تقديم محتوى يعكس جمال الأزياء التراثية المصرية بلمسة عصرية أنيقة، ما ساهم فى زيادة الوعى بقيمتها وملاءمتها للذوق العصرى.