
يمثل مرض الزهايمر واحداً من أكبر التحديات الصحية التي تواجه فئة كبار السن في عصرنا الحالي حيث يعد السبب الرئيسي وراء تدهور القدرات العقلية والذاكرة بشكل تدريجي. هذا المرض الذي يندرج تحت مظلة الخرف الأوسع يتطور بصورة بطيئة على مدى سنوات طويلة مؤثراً بشكل متزايد على قدرة الشخص على التفكير وأداء مهامه اليومية.
الخرف هو مصطلح عام يصف تدهور الوظائف العقلية بينما الزهايمر هو مرض محدد والأكثر شيوعاً ضمن هذه الفئة إذ يشكل أكثر من ثلثي حالات الخرف لدى الأشخاص الذين تجاوزوا سن الخامسة والستين. وعلى الرغم من وجود أنواع أخرى من الخرف قد تتشابه أعراضها فإن السمة المميزة للزهايمر تظل هي فقدان الذاكرة الذي يتفاقم بمرور الوقت.
تبدأ رحلة المرض عادة بعلامات خفية قد لا تثير القلق في البداية مثل صعوبة بسيطة في تذكر الأحداث القريبة أو إيجاد الكلمات المناسبة للتعبير عن فكرة ما. لكن مع تقدم الحالة تزداد هذه الأعراض حدة وعمقاً لتصل في مراحلها النهائية إلى درجة يفقد فيها المصاب قدرته تماماً على الاعتناء بنفسه أو العيش بمفرده.
ينقسم مسار تطور مرض الزهايمر إلى ثلاث مراحل أساسية هي الخفيفة والمتوسطة والشديدة ولكل مرحلة مجموعة من الأعراض التي تميزها. في المرحلة الخفيفة التي قد تستمر ما بين سنتين وأربع سنوات تظهر علامات مبكرة يلاحظها المقربون من المريض مثل فقدان الطاقة والحافز وقلة الاهتمام بالعمل والأنشطة الاجتماعية. ويصاحب ذلك ضعف في الذاكرة قصيرة المدى كنسيان المحادثات الأخيرة ومشكلات لغوية بسيطة وصعوبات في التنسيق الحركي الدقيق مثل الكتابة فضلاً عن تقلبات مزاجية قد تصل إلى الاكتئاب ومواجهة صعوبة في القيادة حتى في الطرق المألوفة.
أما المرحلة المتوسطة التي تمتد لفترة أطول تتراوح بين سنتين وعشر سنوات فيتفاقم فيها فقدان الذاكرة بشكل كبير ليبدأ بالتأثير على حياة المريض اليومية. قد ينسى المصاب تفاصيل جوهرية من حياته الشخصية كمكان دراسته أو تاريخ زواجه وقد يصل الأمر لعدم تمييزه لأفراد عائلته وأصدقائه المقربين. وتشمل أعراض هذه المرحلة أيضاً كلاماً غير مترابط وتشتتاً ذهنياً بخصوص الزمان والمكان ونوبات من الغضب والإحباط واضطرابات في النوم بالإضافة إلى الأوهام والشكوك تجاه الآخرين.
تعتبر المرحلة الشديدة التي تستمر من عام إلى ثلاثة أعوام هي الأخطر على الإطلاق حيث يعاني المريض من ارتباك حاد يختلط فيه الماضي بالحاضر ويصبح التعبير عن الأفكار ومعالجة المعلومات مهمة شبه مستحيلة. في هذه المرحلة تظهر مشاكل جسدية حادة مثل صعوبة البلع وفقدان السيطرة على وظائف المثانة والأمعاء مع نقصان ملحوظ في الوزن. كما قد يعاني المريض من نوبات صرع والتهابات جلدية وهلوسة بصرية أو سمعية مع فقدان تام للقدرة على الحركة بشكل مستقل.
إلى جانب الأعراض الذهنية تظهر على مرضى الزهايمر أعراض جسدية واضحة تشمل مشاكل في التوازن والتعثر المتكرر والمشي ببطء مع سحب القدمين. قد يعاني المريض أيضاً من ضعف وتشنج في العضلات ورعشة وصعوبة في الجلوس أو الوقوف وحالة تعرف بـ أبراكسيا وهي فقدان القدرة على أداء حركات إرادية. ومع تفاقم تلف الدماغ في المراحل المتأخرة تظهر مضاعفات جسدية خطيرة مثل استنشاق الطعام إلى الرئتين مسبباً التهابات رئوية بالإضافة إلى الكسور وتقرحات الفراش وسوء التغذية والجفاف.
ورغم أن المرض يظهر عادة بعد سن الخامسة والستين إلا أنه في بعض الحالات قد يصيب الأشخاص في سن أصغر وهو ما يعرف بالزهايمر مبكر الظهور. لا تختلف أعراض هذا النوع عن الأعراض المعتادة إذ تشمل نسيان المعلومات المكتسبة حديثاً وتكرار الأسئلة نفسها وصعوبة في حل المشكلات البسيطة مع تغيرات في المزاج والشخصية والانسحاب من المواقف الاجتماعية والعمل.
تجدر الإشارة إلى أن ظهور بعض الأعراض المشابهة لا يعني بالضرورة الإصابة بالمرض فهناك حالات طبية أخرى يمكن أن تسبب أعراضاً مماثلة. من بين هذه الحالات اضطرابات التمثيل الغذائي كمشاكل الغدة الدرقية أو التفاعلات السلبية بين الأدوية المختلفة. كذلك يمكن لمرض باركنسون الذي يؤثر على الحركة بشكل رئيسي أو حتى حالات الإجهاد النفسي الشديد والاكتئاب أن تؤدي إلى ضعف مؤقت في الذاكرة والتفكير. لذلك يبقى التشخيص الدقيق من قبل الطبيب المختص عبر الفحوصات اللازمة هو السبيل الوحيد للتأكد من طبيعة الحالة وتحديد ما إذا كانت الأعراض ناجمة عن الزهايمر أم عن حالة أخرى قابلة للعلاج.