
تعتبر العلاقات الإنسانية السليمة ملاذا آمنا مبنيا على الثقة والاحترام المتبادل لكن بعض هذه العلاقات قد تتحول إلى ساحة للسيطرة النفسية حيث يستخدم أحد الطرفين أساليب خفية للتحكم بالآخر مستنزفا طاقته ومشككا إياه في قيمة نفسه وهذا ما يعرف بالتلاعب العاطفي الذي يتسلل ببطء ليدمر الصحة النفسية.
أحد أبرز أساليب السيطرة النفسية يتمثل في قلب الحقائق وتشويه الواقع فالشخص المتلاعب يبرع في إنكار أقواله وأفعاله السابقة لدرجة تجعل الطرف الآخر يشكك في ذاكرته وسلامة قواه العقلية حيث قد يسمع عبارات مثل لم أقل هذا أبدا أو أنت تتخيل الأمور مما يزرع فيه الشك الدائم بنفسه.
يلجأ المتلاعبون أيضا إلى التقليل من شأن مشاعر شركائهم فعندما يعبر الضحية عن حزنه أو انزعاجه يقابل بعبارات تقلل من أهمية ما يشعر به مثل أنت تبالغ في ردة فعلك أو الأمر لا يستحق كل هذا الدراما. يهدف هذا الأسلوب إلى إلغاء مشروعية مشاعر الطرف الآخر وجعله يعتقد أن ردود أفعاله غير طبيعية وغير مبررة.
يعد إشعارك بالذنب بشكل متواصل سلاحا آخر في جعبة المتلاعب فهو يربط تلبية رغباته بمدى حبك له مستخدما جملا مثل لو كنت تهتم لأمري لفعلت كذا. هذا الابتزاز العاطفي يجعلك في حالة دفاع دائم وسعي مستمر لإثبات ولائك. كما قد يستخدم الكلمات الرومانسية والمودة بشكل انتقائي فقط في الأوقات التي يرغب فيها بالحصول على مطلب معين ثم يعود إلى بروده وتجاهله بمجرد تحقيق غايته.
يعتمد المتلاعب كذلك على سلاح الصمت العقابي حيث يتجاهل الطرف الآخر لفترات طويلة كطريقة لمعاقبته. هذا التجاهل المتعمد يولد شعورا بالقلق والتوتر لدى الضحية ويدفعها إلى البحث عن أي وسيلة لإرضاء المتلاعب وإنهاء حالة القطيعة حتى لو كان ذلك على حساب كرامتها.
من العلامات الأخرى الشائعة إغراقك بوعود كبيرة ومبالغ فيها بهدف تهدئتك أو الحصول على مراده في لحظة معينة لكن هذه الوعود سرعان ما تتبخر ولا يتم الوفاء بها أبدا فالهدف منها هو التهدئة المؤقتة وليس الالتزام الحقيقي بما قيل.
كما أن الشخص المتلاعب يمتلك قدرة على تحديد نقاط ضعفك ومخاوفك العميقة ولا يتردد في استغلالها ضدك في أوقات الخلاف. قد يهدد بكشف أسرارك أو يذكرك بأخطاء الماضي لكسر إرادتك وإجبارك على الخضوع لطلباته.
إن مواجهة هذا النوع من السلوك المدمر تبدأ بإدراك وجوده وعدم تجاهل هذه الإشارات التحذيرية فالحماية تبدأ من خلال وضع حدود شخصية صارمة ورفض السماح لأي شخص بالتقليل من شأنك أو إشعارك بالذنب دون وجه حق. من الضروري التمسك بحقيقة مشاعرك وأفكارك وعدم السماح للطرف الآخر بتشويهها.
قد يكون الانسحاب من علاقة تستنزف صحتك النفسية هو القرار الأكثر شجاعة وصحة على المدى الطويل فاحترام الذات والمشاعر يجب أن يكون الأولوية دائما.