
تعد جرثومة المعدة المعروفة علميا باسم الجرثومة الحلزونية واحدة من أكثر أنواع العدوى البكتيرية انتشارا في العالم حيث تصيب أعدادا هائلة من البشر وتعتبر المسبب الرئيسي لمشكلات صحية خطيرة مثل قرحة المعدة والاثني عشر كما تصنف كأحد عوامل الخطر المؤدية لسرطان المعدة.
تتعدد أعراض الإصابة بالبكتيريا الحلزونية وقد لا تظهر بوضوح في المراحل الأولى لكن مع استمرار العدوى تبدأ علامات مزعجة في الظهور تختلف حدتها من شخص لآخر وتشمل الشعور بآلام أو حرقة في الجزء العلوي من البطن والتي تزداد سوءا عندما تكون المعدة فارغة. يعاني المصابون أيضا من الغثيان الذي قد يتطور إلى القيء والانتفاخ المستمر وكثرة الغازات مع فقدان ملحوظ للشهية يؤدي إلى نقص غير مبرر في الوزن. وفي الحالات المتقدمة قد يتسبب الالتهاب في نزيف داخلي يظهر على شكل براز داكن اللون أو قيء مصحوب بالدم وهي علامات تستدعي التدخل الطبي العاجل.
يعتمد تشخيص جرثومة المعدة على مجموعة من الفحوصات الدقيقة لتأكيد وجود العدوى النشطة ويعد اختبار التنفس باليوريا من أكثر الطرق شيوعا وفعالية حيث يقيس نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون الذي تنتجه البكتيريا. كما يستخدم تحليل البراز للكشف عن مستضدات الجرثومة وهو فحص دقيق أيضا. وعلى الرغم من توفر اختبارات الدم التي تبحث عن الأجسام المضادة إلا أنها قد لا تكون حاسمة في تحديد ما إذا كانت العدوى حالية أم سابقة. وفي الحالات التي تتطلب تقييما أعمق يلجأ الأطباء إلى المنظار الهضمي لأخذ عينة من بطانة المعدة لفحصها مباشرة.
يعتمد العلاج الطبي على بروتوكول دوائي مكثف يعرف بالعلاج الثلاثي أو الرباعي يهدف إلى القضاء على البكتيريا وتقليل حموضة المعدة لتسهيل التئام الأنسجة المتضررة. يتكون العلاج الثلاثي عادة من مضادين حيويين مثل كلاريثرومايسين وأموكسيسيلين أو ميترونيدازول للمرضى الذين يعانون من حساسية البنسلين بالإضافة إلى أحد مثبطات مضخة البروتون مثل أوميبرازول. وعندما لا يحقق هذا النظام النتائج المرجوة يتم اللجوء إلى العلاج الرباعي الذي يضم أدوية مثل تيتراسيكلين وميترونيدازول مع بيسموث سبساليسيلات ومثبط لمضخة البروتون. تستمر فترة العلاج عادة من عشرة أيام إلى أسبوعين ومن الضروري الالتزام الكامل بالجرعات الموصوفة حتى بعد تحسن الأعراض لضمان القضاء التام على العدوى.
أوضح استشاري الأمراض الباطنة الدكتور محمد عبد العزيز أن هذه البكتيريا ذات الشكل الحلزوني تمتلك قدرة فريدة على البقاء في بيئة المعدة شديدة الحموضة وذلك عبر إفرازها لإنزيم اليورياز الذي يعمل على معادلة الحمض المحيط بها مما يسمح لها بالاستقرار والتكاثر في جدار المعدة. وتنتقل العدوى غالبا عن طريق استهلاك طعام أو مياه ملوثة أو استخدام أدوات طعام مشتركة مع شخص مصاب بالإضافة إلى تدني مستويات النظافة العامة.
بجانب العلاج الدوائي تلعب التغذية ونمط الحياة دورا محوريا في دعم عملية الشفاء حيث أكدت أخصائية التغذية العلاجية الدكتورة هدى مدحت أن بعض المواد الطبيعية يمكن أن تساهم في تخفيف الأعراض دون أن تغني عن الأدوية. فالعسل بخصائصه المضادة للبكتيريا يساعد على تهدئة المعدة والثوم بمركبات الكبريت فيه قد يثبط نمو الجرثومة. كما أن تناول الزبادي الغني بالبروبيوتيك يعزز البكتيريا النافعة في الأمعاء بينما يحتوي الشاي الأخضر والعرقسوس على مركبات تحمي جدار المعدة وتقلل الالتهاب.
لضمان نجاح العلاج يجب على المريض اتباع إرشادات حياتية صارمة تشمل تجنب الأطعمة الحارة والدسمة والمقلية التي تهيج المعدة والامتناع التام عن التدخين الذي يضعف بطانة الجهاز الهضمي. وينصح أيضا بتقليل استهلاك المشروبات التي تزيد الحموضة مثل القهوة والمشروبات الغازية والكحولية مع الحرص على تناول وجبات صغيرة ومتفرقة على مدار اليوم وشرب كميات وافرة من الماء.
بعد انتهاء فترة العلاج بنحو أربعة إلى ستة أسابيع يجب إعادة الفحص للتأكد من زوال الجرثومة تماما. وللوقاية من عودة الإصابة من جديد يوصى بالاهتمام الشديد بنظافة اليدين خاصة قبل تناول الطعام وبعد استخدام دورة المياه وتجنب مشاركة الأواني الشخصية مع الآخرين والتأكد من نظافة مصادر الطعام والشراب وتعقيم الفواكه والخضروات جيدا.
إن إهمال علاج جرثومة المعدة قد يترتب عليه مضاعفات وخيمة تبدأ بالقرحة الهضمية المزمنة نتيجة تآكل بطانة المعدة وقد تتطور إلى نزيف حاد يؤدي إلى فقر الدم. والأخطر من ذلك أن العدوى المزمنة بهذه البكتيريا تعتبر أحد عوامل الخطر الرئيسية التي تزيد من احتمالية الإصابة بسرطان المعدة على المدى الطويل.