
تتجاوز مشكلة السمنة وزيادة الوزن كونها مجرد أرقام على الميزان لتصبح أزمة صحية عالمية ترتبط ارتباطا وثيقا بعادات يومية قد لا نلقي لها بالا. وفي قلب هذه المعادلة المعقدة تبرز العلاقة المتبادلة بين جودة النوم والتحكم في الوزن حيث يؤثر كل منهما على الآخر في حلقة مستمرة يصعب كسرها دون فهم عميق لآلياتها.
إن السمنة لا تؤثر فقط على مظهر الجسم بل تمتد لتضر بجودة النوم بشكل مباشر حيث يعاني أصحاب الوزن الزائد من اضطرابات متعددة. من أبرز هذه المشكلات حالة انقطاع التنفس أثناء النوم والتي تحدث نتيجة تراكم الدهون حول منطقة الرقبة والمجرى التنفسي مما يسبب انسدادا يعيق مرور الهواء ويؤدي إلى استيقاظ متكرر وشخير حاد ونوم متقطع لا يمنح الجسم الراحة المطلوبة.
كما أن الوزن الزائد يزيد من احتمالية الإصابة بالأرق وصعوبات النوم. غالبا ما ترتبط السمنة بمشكلات نفسية مثل القلق والاكتئاب بالإضافة إلى مشاكل جسدية مثل الارتجاع الحمضي الليلي الذي يسبب إزعاجا يمنع الدخول في مراحل النوم العميق. ونتيجة لذلك قد يشعر الشخص الذي يعاني من زيادة الوزن بالتعب والإرهاق الدائم حتى لو أمضى ساعات طويلة في الفراش لأن جودة نومه تكون متدنية.
على الجانب الآخر يلعب النوم دورا محوريا لا يقل أهمية عن النظام الغذائي والنشاط البدني في إدارة الوزن. وقد أوضح خبراء التغذية العلاجية أن العلاقة بين الأمرين متشابكة ومعقدة فالحرمان من النوم الكافي يطلق سلسلة من التغيرات الهرمونية والسلوكية التي تساهم بشكل مباشر في زيادة الوزن.
عندما لا يحصل الجسم على قسط كاف من الراحة يحدث خلل في إفراز هرمونات الشهية الرئيسية. ينخفض مستوى هرمون الليبتين المسؤول عن إرسال إشارات الشبع للدماغ مما يجعل الشخص يشعر بالجوع باستمرار. وفي المقابل يرتفع مستوى هرمون الجريلين الذي يحفز الإحساس بالجوع ويدفع الفرد إلى الإقبال بشراهة على تناول الطعام وخصوصا الأطعمة الغنية بالسكريات والدهون.
ولا يقتصر تأثير قلة النوم على الهرمونات فقط بل إنه يبطئ أيضا من معدل الأيض أو ما يعرف بعملية حرق السعرات الحرارية. هذا يعني أن قدرة الجسم على تحويل الطعام إلى طاقة تضعف وبالتالي يصبح أكثر عرضة لتخزين السعرات الحرارية الزائدة على شكل دهون. كما يؤثر الحرمان من النوم على مراكز المكافأة في الدماغ مما يزيد الرغبة الشديدة في تناول الأطعمة غير الصحية كوسيلة سريعة لتعويض نقص الطاقة والشعور بالراحة المؤقتة.
هكذا يدخل الفرد في حلقة مفرغة حيث يؤدي نقص النوم إلى زيادة الوزن وهذه الزيادة بدورها تسبب اضطرابات نوم أعمق مما يزيد الأمر سوءا. ولهذا فإن كسر هذه الدائرة يتطلب اتباع نهج شامل يهتم بتحسين جودة النوم والتحكم في الوزن معا.
لتحقيق ذلك ينصح الخبراء بضرورة الالتزام بالحصول على عدد ساعات نوم كافية تتراوح بين سبع وتسع ساعات للبالغين يوميا. من المهم أيضا تنظيم مواعيد النوم والاستيقاظ عبر تحديد وقت ثابت للذهاب إلى الفراش والنهوض منه حتى في أيام العطلات للمساعدة في ضبط الساعة البيولوجية للجسم.
كما أن تهيئة بيئة نوم مثالية أمر ضروري ويشمل ذلك جعل الغرفة مظلمة وهادئة وباردة. ويجب تجنب تناول المشروبات التي تحتوي على الكافيين والمنبهات الأخرى في المساء. وتلعب الرياضة المنتظمة دورا هاما في تحسين النوم وزيادة معدل الحرق لكن يفضل عدم ممارستها في وقت متأخر قبل موعد النوم مباشرة.
إن اتباع نظام غذائي صحي ومتوازن غني بالبروتين والألياف وتناول وجبة العشاء قبل النوم بساعتين على الأقل يساهم في تعزيز الشعور بالشبع وتحسين عملية الهضم والنوم. ولا يمكن إغفال أهمية إدارة التوتر عبر ممارسات الاسترخاء مثل التأمل والتنفس العميق لأن القلق يعد من أكبر مسببات الأرق.
إن إدراك أن النوم ليس رفاهية بل هو ركيزة أساسية للصحة يغير من طريقة تعاملنا مع الوزن الزائد. فمعالجة مشكلات الوزن قد تحسن نوعية النوم بشكل كبير والعكس صحيح مما ينعكس إيجابيا على الصحة العامة والمزاج والقدرة على الإنتاج خلال اليوم.