في تطور علمي فارق قد يغير مستقبل الأمراض العصبية الوراثية توصل باحثون إلى علاج جيني مبتكر أظهر قدرة استثنائية على إبطاء تقدم مرض هنتنغتون وهو اضطراب دماغي مميت. وتشير النتائج الأولية الواعدة إلى أن العلاج الجديد نجح في خفض مستويات البروتين السام المسبب للمرض بنسبة تصل إلى 75 بالمئة ما يمثل بصيص أمل كبير للمرضى وعائلاتهم في مواجهة هذا التحدي الصحي المدمر.
يعمل النهج العلاجي الثوري على استهداف السبب الجذري للمرض مباشرة بدلا من التعامل مع أعراضه فقط. وتقوم فكرته الأساسية على تقنية تعرف باسم إسكات الجينات حيث يتم إرسال تعليمات جزيئية دقيقة إلى الخلايا العصبية لإيقاف إنتاج بروتين هنتنغتين الضار الذي يتراكم في الدماغ ويسبب موت الخلايا العصبية تدريجيا. هذا التدخل المباشر في الآلية الجينية للمرض يمثل نقلة نوعية في طريقة تفكير العلماء حول علاج الحالات الوراثية المستعصية.
ومرض هنتنغتون هو حالة وراثية تنكسية تؤثر بشكل رئيسي على الدماغ وتؤدي إلى تدهور مستمر في القدرات الجسدية والمعرفية والنفسية. يعاني المصابون به من حركات لا إرادية وصعوبات في التفكير والتخطيط بالإضافة إلى تغيرات سلوكية حادة. ونظرا لطبيعته الوراثية فإن أبناء الشخص المصاب لديهم فرصة بنسبة 50 بالمئة لوراثة الجين المعيب ما يلقي بظلاله على أجيال متعاقبة من العائلات.
أظهرت الدراسة التي أجريت على مجموعة من المرضى أن حقن العلاج لمرة واحدة في السائل الدماغي الشوكي المحيط بالدماغ والحبل الشوكي كان كافيا لإحداث انخفاض كبير ومستمر في مستويات البروتين السام. ويعد هذا الانخفاض مؤشرا قويا على أن العلاج قد ينجح في إبطاء أو حتى وقف عملية تلف الدماغ التي تعد السمة المميزة للمرض ما يفتح الباب أمام إمكانية الحفاظ على وظائف الدماغ لفترة أطول وتحسين جودة حياة المرضى بشكل جذري.
يفتح هذا الإنجاز العلمي الباب واسعا أمام إمكانيات جديدة لعلاج أمراض أخرى مشابهة تنتج عن خلل في جين واحد. ويرى الخبراء في هذا التقدم دليلا قويا على فعالية استراتيجيات العلاج الجيني في مواجهة الأمراض العصبية التي فشلت الأدوية التقليدية في السيطرة عليها مما يبشر بحقبة جديدة من الطب الدقيق الذي يعالج الأمراض من مصدرها الوراثي.