الكورتيزول في الشعر مؤشر خطير يكشف علاقة التوتر بالصحة النفسية للأطفال

كشفت أبحاث علمية حديثة عن وجود صلة وثيقة بين المستويات المرتفعة من هرمون الكورتيزول في شعر الأطفال وتزايد خطر معاناتهم من اضطرابات نفسية وسلوكية مختلفة. تقدم هذه النتائج رؤية جديدة لفهم العلاقة بين الإجهاد المزمن والصحة العقلية في مراحل الطفولة المبكرة وتفتح الباب أمام إمكانية استخدام مؤشرات حيوية لتحديد الأطفال المعرضين للخطر.

يعتبر قياس نسبة هرمون الكورتيزول المعروف بهرمون التوتر في عينات الشعر أداة دقيقة وموضوعية لتقييم مستويات الإجهاد الفسيولوجي على المدى الطويل. فعلى عكس تحاليل الدم أو اللعاب التي تعكس تقلبات الهرمون اللحظية خلال اليوم فإن الشعر الذي ينمو بمعدل سنتيمتر واحد شهريا تقريبا يخزن الكورتيزول بمرور الوقت مما يوفر سجلا زمنيا متراكما لعدة أشهر يكشف عن مدى تعرض الجسم للضغوط بشكل مستمر.

وقد توصل الباحثون إلى هذه النتائج بعد تحليل عينات من شعر مجموعة من الأطفال بالتزامن مع تقييم شامل لصحتهم النفسية والعاطفية عبر استبيانات موحدة يجيب عليها الآباء أو الأوصياء. سمحت هذه المنهجية المزدوجة بربط البيانات البيولوجية المتمثلة في تركيز الهرمون مع الملاحظات السلوكية والنفسية المبلغ عنها.

أظهرت النتائج بوضوح أن الأطفال الذين سجلوا أعلى تركيزات من الكورتيزول في شعرهم كانوا أكثر عرضة لإظهار أعراض لمشاكل نفسية داخلية مثل القلق المفرط والميل إلى الانعزال الاجتماعي والمشاعر الحزينة والاكتئابية. كما ارتبطت المستويات المرتفعة للهرمون بزيادة في المشكلات السلوكية الخارجية كصعوبة التحكم في الانفعالات أو إظهار سلوكيات عدوانية.

يمثل هذا الاكتشاف أهمية بالغة للمختصين في مجال الصحة النفسية للأطفال وكذلك للآباء والمعلمين حيث يقدم مؤشرا حيويا يمكن الاعتماد عليه للكشف المبكر عن الأطفال الذين يعانون من إجهاد مزمن قد لا تكون أعراضه ظاهرة بوضوح. يتيح هذا المؤشر البيولوجي فرصة للتدخل الوقائي قبل تفاقم المشكلات النفسية وتحولها إلى اضطرابات أكثر تعقيدا وصعوبة في العلاج.

ويؤكد الخبراء أن هذه الدراسة لا تثبت بالضرورة أن ارتفاع الكورتيزول هو السبب المباشر الوحيد للمشاكل النفسية بل تشير إلى وجود علاقة ارتباط قوية بينهما. فالتعرض لضغوط بيئية واجتماعية مستمرة يؤدي إلى زيادة إفراز الهرمون وهذا بدوره قد يؤثر على نمو الدماغ والوظائف العصبية مما يجعل الطفل أكثر هشاشة من الناحية النفسية وأكثر عرضة لتطوير تلك الاضطرابات.