
يمثل ارتفاع ضغط الدم تحديا صحيا خطيرا يواجه الملايين حول العالم وهو ما أكسبه لقب القاتل الصامت نظرا لكونه مرضا مزمنا يتسلل غالبا دون أعراض واضحة في مراحله الأولى. إن إهمال هذه الحالة وعدم التعامل معها طبيا يمكن أن يمهد الطريق لمضاعفات كارثية تشمل أمراض القلب الحادة والسكتات الدماغية القاتلة والفشل الكلوي الذي يتطلب علاجا طويل الأمد.
على الرغم من أن ارتفاع ضغط الدم المعتدل لا يكشف عن نفسه بأي علامات في أغلب الحالات فإن الوصول إلى مستويات شديدة أو حدوث ارتفاع مفاجئ وهو ما يعرف بأزمة ارتفاع ضغط الدم قد يصاحبه ظهور مجموعة من الأعراض المنذرة التي تتطلب تدخلا طبيا عاجلا وفوريا. من هذه العلامات الصداع الحاد والمزعج خاصة في الصباح الباكر بمنطقة مؤخرة الرأس وحدوث نزيف غير مبرر من الأنف بالإضافة إلى مشاكل في الرؤية كالرؤية الضبابية أو المزدوجة والشعور بالتعب الشديد أو الارتباك الذهني والغثيان والقيء واحمرار الوجه وظهور دم في البول وضيق التنفس وألم الصدر.
تتجاوز خطورة الأعراض هذا الحد لتصل إلى مؤشرات حالة طارئة تستدعي طلب العناية الطبية فورا مثل الشعور بألم حاد في الصدر أو صعوبة بالغة في التنفس أو الإحساس بتنميل وضعف في الذراعين أو الساقين أو مواجهة صعوبة في القدرة على الكلام حيث قد تكون هذه الأعراض دليلا على بداية سكتة دماغية أو نوبة قلبية.
إن السيطرة على ضغط الدم المرتفع تبدأ من المنزل عبر تبني تغييرات جذرية في نمط الحياة اليومي والتي تعد حجر الزاوية في إدارة المرض جنبا إلى جنب مع الالتزام بالعلاج الدوائي الذي يصفه الطبيب. تعديل النظام الغذائي يأتي في مقدمة هذه التغييرات حيث ينصح باتباع ما يعرف بحمية داش المصممة خصيصا لمواجهة ارتفاع الضغط والتي تركز على تناول الفواكه والخضروات والحبوب الكاملة ومشتقات الألبان منخفضة الدسم مع تقليل الدهون المشبعة والكوليسترول.
يلعب تقليل استهلاك الصوديوم دورا حاسما في هذا النظام الغذائي حيث يجب ألا تتجاوز الكمية اليومية 1500 ملليجرام أي أقل من ملعقة صغيرة من الملح ويتطلب ذلك تجنب الأطعمة المصنعة والمعلبة والوجبات السريعة واستبدال الملح بالأعشاب والتوابل الطبيعية. وفي المقابل من الضروري زيادة تناول الأطعمة الغنية بالبوتاسيوم والمغنيسيوم لموازنة تأثير الصوديوم ويتوفران بكثرة في الموز والأفوكادو والبطاطا والسبانخ والبقوليات كما يعتقد أن بعض المشروبات مثل الكركديه والشاي الأخضر والقرفة وعصير الشمندر تساهم في خفض الضغط.
لا تقتصر الإجراءات على الغذاء وحده بل تمتد لتشمل النشاط البدني المنتظم الذي يقوي عضلة القلب ويزيد من كفاءتها في ضخ الدم مما يخفف العبء على الشرايين. يوصى بممارسة التمارين الهوائية المعتدلة مثل المشي السريع لمدة لا تقل عن 150 دقيقة أسبوعيا موزعة على معظم أيام الأسبوع.
يرتبط الوزن الزائد ارتباطا وثيقا بارتفاع ضغط الدم لذا فإن فقدان بضعة كيلوجرامات يمكن أن يحدث فرقا كبيرا في مستويات الضغط ويحسن صحة القلب بشكل عام. كما يجب الانتباه لمحيط الخصر لأن تراكم الدهون في منطقة البطن يعد عامل خطر رئيسيا.
يعد الإقلاع عن العادات الضارة مثل التدخين وتناول الكحوليات خطوة ضرورية فالتدخين يرفع الضغط بشكل فوري ومؤقت ويلحق ضررا طويل الأمد بجدران الأوعية الدموية مسببا تصلب الشرايين. كذلك يؤدي الإفراط في شرب الكحول إلى رفع ضغط الدم بشكل ملحوظ.
تؤثر الحالة النفسية بشكل مباشر على صحة الأوعية الدموية فالقلق والتوتر المستمران يمكن أن يسببا ارتفاعا مؤقتا في ضغط الدم. لذلك تساعد ممارسة تقنيات الاسترخاء مثل اليوجا والتأمل وتمارين التنفس العميق في إدارة التوتر بفاعلية. وأخيرا يعد الحصول على قسط كاف من النوم الجيد والمريح يتراوح بين 7 إلى 8 ساعات كل ليلة أمرا ضروريا للحفاظ على صحة القلب وانتظام ضغط الدم.