اختيار أصحاب الأبناء: دليل الأمهات الذكي لتكوين صداقات إيجابية وتجنب رفقاء السوء

اختيار أصحاب الأبناء: دليل الأمهات الذكي لتكوين صداقات إيجابية وتجنب رفقاء السوء
اختيار أصحاب الأبناء: دليل الأمهات الذكي لتكوين صداقات إيجابية وتجنب رفقاء السوء

أكدت الدكتورة عبلة إبراهيم أستاذة التربية ومستشارة العلاقات الأسرية أن دور الأمهات في حياة أبنائهن يتجاوز الرعاية الجسدية والنفسية والاهتمام بالتعليم ليصل إلى عمق تكوينهم الاجتماعي. فمساعدة الأبناء على بناء علاقات اجتماعية سليمة واختيار أصدقائهم بعناية يعد حجر زاوية في تربيتهم لأنه يساهم في نمو شخصياتهم بشكل متوازن.

إن بناء مهارات الطفل الاجتماعية يبدأ داخل المنزل فالأم هي القدوة الأولى. الطفل يراقب ويتعلم من خلال تصرفات والدته اليومية مع الآخرين فإذا رأى الاحترام والود والتسامح في تعاملاتها فإنه يمتص هذه القيم بشكل طبيعي. لذلك من الضروري أن تكون الأم نموذجًا حيًا في كيفية إدارة العلاقات الاجتماعية. وبجانب القدوة يأتي دورها في تعليم الطفل مهارات أساسية مثل فن الاستماع للآخرين دون مقاطعة وكيفية التعبير عن مشاعره بأسلوب لائق بالإضافة إلى تدريبه على التعاون والمشاركة وحل الخلافات البسيطة بطرق سلمية وهذه المهارات تمثل أدواته الأولى لبناء علاقات صحية.

من المهم جدًا بدء حوار مبكر مع الطفل حول مفهوم الصداقة الحقيقية. يجب على الأم أن توضح له أن الصديق ليس مجرد زميل للعب بل هو شخص يشاركه أفراحه وأحزانه ويقدم له الدعم ويحترم مشاعره. يمكن استخدام القصص والأمثلة من الحياة اليومية لترسيخ هذه الفكرة في ذهنه ومساعدته على التفريق بين المعارف العابرة والروابط العميقة. فالطفل يحتاج إلى فهم واضح لمعنى الصداقة ليميز الصديق الجيد.

ينبغي على الأم تزويد ابنها بمعايير واضحة تساعده في تقييم علاقاته. يجب أن يتعلم أن الاحترام المتبادل هو أساس أي صداقة ناجحة فالصديق الحقيقي لا يسخر من أفكاره أو شكله. كذلك يجب أن يدرك أهمية الصدق والأمانة في الصداقة وأن الصديق الجيد هو من يشجعه على تحقيق الأفضل ويدعمه في أوقات الشدة وليس من يجره نحو سلوكيات سلبية كالعنف أو الكذب أو التنمر. هذه المعايير تصبح بمثابة بوصلة داخلية توجه اختياراته الاجتماعية المستقبلية.

يعتبر غرس الثقة بالنفس لدى الطفل من أهم العوامل التي تساعده على تكوين صداقات إيجابية. فالطفل الواثق من نفسه لا يشعر بحاجة ماسة للقبول من أي مجموعة ولا ينجرف خلف أصدقاء السوء فقط ليشعر بالانتماء. يأتي دور الأم هنا في تعزيز ثقته عبر مدح إنجازاته وتشجيعه على التعبير عن رأيه بحرية واحترام قراراته. الطفل المتزن والواثق من نفسه يصبح جاذبًا للأصدقاء الإيجابيين ويبتعد بشكل طبيعي عن العلاقات التي قد تستغله.

عندما يواجه الطفل تجربة صداقة مؤذية أو علاقة تسبب له الإزعاج يجب أن تجد الأم طريقة للتعامل مع الموقف بحكمة. التدخل المباشر أو فرض القرارات قد يؤدي إلى نتائج عكسية ويدفع الطفل للتمسك أكثر بالعلاقة. الأفضل هو المتابعة الذكية عبر ملاحظة سلوك الطفل ومزاجه بعد قضاء وقته مع أصدقائه. يمكن طرح أسئلة مفتوحة مثل كيف كان يومك مع صديقك؟ أو هل تشعر بالسعادة عندما تكون معه؟ هذه الأسئلة تفتح بابًا للحوار وتجعل الطفل يفكر في طبيعة العلاقة بنفسه دون أن يشعر أنه قيد التحقيق.

في بعض الأحيان قد يكون الطفل انطوائيًا أو خجولًا بطبعه وهنا يكمن دور الأم في تشجيعه على الانفتاح دون ضغط. يمكن تحقيق ذلك عبر إشراكه في أنشطة جماعية تناسب اهتماماته مثل الانضمام لفريق رياضي أو دورة فنية حيث تتوفر بيئة آمنة ومراقبة لتكوين الصداقات. من المهم احترام الفروق الفردية فبعض الأطفال يحتاجون وقتًا أطول للتأقلم والمهم هو توفير الدعم النفسي ليشعر بالأمان أثناء محاولاته للتواصل مع الآخرين.

في نهاية المطاف يجب أن تدرك الأم أن التجربة هي أفضل معلم. مهما قدمت من نصائح وإرشادات فإن الابن سيتعلم الكثير من خلال تجاربه الخاصة في اختيار الأصدقاء. قد يمر بعلاقات ناجحة وأخرى فاشلة وهذه التجارب هي جزء لا يتجزأ من رحلة نضجه الاجتماعي. دور الأم هو أن تكون مرشدة وداعمة دائمًا وتترك له مساحة ليخطئ ويتعلم من أخطائه مع وجودها كشبكة أمان يلجأ إليها عند الحاجة.