
أثارت عطور منخفضة التكلفة تنتشر في الأسواق السعودية مخاوف صحية متزايدة بين المستهلكين حيث ارتبط استخدامها بظهور أعراض مرضية مقلقة تشمل التهابات الجيوب الأنفية وحساسية الجلد والجهاز التنفسي بالإضافة إلى الصداع المستمر وهو ما يضع جودة هذه المنتجات وسلامتها على المحك.
تأتي هذه المخاطر في وقت تشهد فيه صناعة العطور في المملكة العربية السعودية نمواً اقتصادياً ملحوظاً حيث تظهر بيانات اقتصادية أن حجم سوق العطور في المملكة قد بلغ ما يقارب 1.9 مليار دولار خلال عام 2024. وتشير توقعات النمو إلى إمكانية وصول قيمة السوق إلى 2.7 مليار دولار بحلول عام 2033 بمعدل نمو سنوي مركب يقارب 3.9 بالمئة بينما تذهب تقديرات أخرى إلى أن السوق قد يتجاوز 3 مليارات دولار بمعدل نمو يصل إلى 5 بالمئة. وتحتل السعودية موقع الصدارة في هذا المجال إقليمياً مستحوذة على ما يتجاوز 57 بالمئة من سوق العطور في دول مجلس التعاون الخليجي.
وعلى المستوى الدولي تتصاعد التحذيرات من المنتجات العطرية الرخيصة والمقلدة فقد حذرت طبيبة جلدية بارزة في الولايات المتحدة من أن هذه العطور قد تسبب تهيج الجيوب الأنفية وتحفز نوبات الربو وتؤدي إلى حكة جلدية. وفي ماليزيا نبه صيادلة إلى أن العطور المتداولة في الأسواق الشعبية غالباً ما تحتوي على مواد كيميائية سامة مثل الفثالات والبارابين وهي مركبات ضارة بالصحة ارتبطت علمياً باضطرابات هرمونية ومشكلات تنفسية.
وتتعمق هذه التحذيرات في الأوساط العلمية حيث أشار تقرير صادر عن هارفارد الطبية إلى أن كلمة عطر أو رائحة التي تكتب على ملصقات المنتجات قد تكون غطاءً لإخفاء مركبات غير مصرح بها مثل الفثالات التي ربطتها دراسات بأمراض القلب والسرطان واضطرابات الغدد الصماء. وأكدت مراجع بحثية منشورة لدى المكتبة الوطنية الأمريكية للطب أن العطور تتكون من خليط معقد من المواد الكيميائية قد يؤدي بعضها إلى حساسية ملامسة وأعراض تنفسية خاصة مع الاستخدام المتكرر. كما أوضحت الجمعية الأمريكية للرئة أن الروائح الصناعية الموجودة في العطور والبخور ومعطرات الجو يمكن أن تطلق نوبات ربو وتزيد من حدة أعراض مرض الانسداد الرئوي المزمن.
وتمثل هذه المنتجات مجهولة المصدر تحدياً لصناعة العطور المحلية العريقة التي تعد امتداداً لإرث ثقافي طويل يعتمد على مكونات طبيعية فاخرة كالورد الطائفي والعود والمسك. وتعتمد المصانع السعودية المتخصصة على مزيج من التقنيات التقليدية والحديثة لضمان نقاء منتجاتها حيث تمر الزيوت العطرية بعمليات دقيقة تشمل التبخير والتكثيف والتحكم الصارم في درجات الحرارة ما يضمن ثبات الرائحة وجودة المكونات ويحافظ على سلامة المستهلك.
وفي إطار جهودها التنظيمية وضعت الهيئة العامة للغذاء والدواء ضوابط صارمة لمراقبة جودة العطور ومنتجات التجميل إذ تشترط تسجيل أي منتج في نظامها الإلكتروني الموحد قبل السماح بطرحه في الأسواق كما تفرض على المصنعين والمستوردين تقديم ملف معلومات شامل يتضمن بيانات السلامة وقائمة المكونات ونتائج الاختبارات المخبرية. وتنفذ الهيئة جولات تفتيشية دورية لسحب عينات من الأسواق وتحليلها للتأكد من خلوها من أي مواد ضارة بالإضافة إلى إصدارها شهادات مطابقة للمنتجات قبل دخولها عبر المنافذ الجمركية.
ورغم هذه الإجراءات يبقى حجم السوق الهائل وتعدد منافذ البيع سواء التقليدية أو الإلكترونية تحدياً كبيراً يتطلب تنسيقاً مستمراً بين الهيئة ووزارة التجارة والبلديات فضلاً عن الحاجة لرفع مستوى وعي المستهلك بأهمية اختيار المنتجات المسجلة والمعروفة المصدر لتجنب الأضرار الصحية المحتملة.