
شهدت أسواق المعدن الأصفر العالمية والمحلية قفزة تاريخية اليوم الأربعاء حيث حلقت أسعار الذهب إلى أعلى مستوياتها المسجلة على الإطلاق ويأتي هذا الصعود الكبير في ظل تزايد حالة عدم اليقين الاقتصادي بالتزامن مع دخول الحكومة الأمريكية في أول إغلاق لها منذ سبع سنوات عقب إخفاق المشرعين في إقرار اتفاق لتمويل الميزانية.
وعلى المستوى المحلي انعكست هذه التحركات العالمية بزيادة ملحوظة في الأسعار بلغت قيمتها نحو 60 جنيها في الجرام الواحد خلال تعاملات اليوم فقط مقارنة بأسعار الإغلاق ليوم أمس وبذلك سجل جرام الذهب من عيار 21 وهو الأكثر تداولا في مصر مستوى 5240 جنيها وارتفع سعر جرام الذهب عيار 24 إلى 5989 جنيها ووصل سعر جرام عيار 18 إلى 4491 جنيها بينما بلغ سعر عيار 14 نحو 3487 جنيها في حين حافظ الجنيه الذهب على استقراره عند 41920 جنيها.
وتعود الأسباب المباشرة لهذه الموجة الصعودية إلى الأزمة السياسية في واشنطن حيث بدأ الإغلاق الحكومي فعليا بعد فشل الكونغرس في تمرير مشروع قانون لتمويل السنة المالية الجديدة وعلى الرغم من أن تأثيرات الإغلاقات الحكومية تكون محدودة في العادة إلا أن توقيت الإغلاق الحالي يجعله ذا أهمية قصوى إذ يهدد بتأجيل نشر بيانات الوظائف الأمريكية الحاسمة وهو ما يضع ضبابية كثيفة حول قرارات مجلس الاحتياطي الفيدرالي المقبلة.
وزاد من تعقيد المشهد تهديد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باستغلال فترة الإغلاق لتسريح أعداد كبيرة من الموظفين الفيدراليين مما يغذي حالة القلق في الأسواق ويدفع المستثمرين للهروب من الأصول ذات المخاطر العالية واللجوء إلى الذهب بوصفه ملاذا آمنا تقليديا في أوقات الاضطرابات الاقتصادية والجيوسياسية وهو ما يفسر تسجيله قمة قياسية جديدة هذا العام.
وجاءت البيانات الاقتصادية الصادرة مؤخرا لتصب الزيت على نار المخاوف حيث أظهر تقرير مؤسسة ADP تراجع عدد الوظائف في القطاع الخاص الأمريكي بمقدار 32 ألف وظيفة خلال شهر سبتمبر على عكس توقعات السوق التي كانت تشير إلى إضافة 50 ألف وظيفة وقد علقت كبيرة الاقتصاديين في المؤسسة نيلا ريتشاردسون بأن أصحاب الأعمال أصبحوا أكثر حذرا في التوظيف رغم النمو الاقتصادي القوي.
وكان لهذه البيانات المخيبة للآمال أثر مباشر على الدولار الأمريكي الذي تعرض لضغوط بيع أدت إلى تراجع مؤشره بنسبة 0.27% إلى مستوى 97.53 قبل أن يستقر قرب 97.80 ويساهم ضعف الدولار بشكل مباشر في تعزيز جاذبية الذهب للمشترين الذين يستخدمون عملات أخرى خارج الولايات المتحدة.
ويعد الأداء الذي حققه الذهب خلال شهر سبتمبر هو الأفضل له على أساس شهري منذ ستة عشر عاما حيث قفزت الأسعار في السوق المحلية بنسبة 11% بقيمة 490 جنيها للجرام إذ بدأ جرام عيار 21 الشهر عند 4690 جنيها وأغلقه عند 5180 جنيها أما على الصعيد العالمي فقد ارتفعت الأوقية بنسبة 12% مضيفة 411 دولارا إلى قيمتها بعد أن بدأت الشهر عند 3447 دولارا وأغلقت عند 3858 دولارا.
ومع هذه المكاسب المتسارعة بدأت التوقعات ترتفع بشأن إمكانية تجاوز سعر الأوقية حاجز 4000 دولار وتشير مذكرات بحثية حديثة إلى أن هذا السيناريو محتمل في ظل استمرار مشتريات البنوك المركزية حول العالم وزيادة الطلب من قبل المستثمرين الأفراد والمؤسسات فبحسب جوني تيفز الخبير الاستراتيجي في بنك يو بي إس لا يزال الذهب غير مملوك بالكامل من جانب المستثمرين مما يترك مجالا لمزيد من الارتفاعات.
ويتوقع الخبراء استمرار المسار الصاعد خلال الأرباع القادمة خاصة مع اتجاه الاحتياطي الفيدرالي لبدء دورة تيسير نقدي وهو ما يعني ضعفا متوقعا للدولار وانخفاضا في أسعار الفائدة الحقيقية وكلاهما من العوامل الداعمة بقوة لأسعار المعدن النفيس وعلى المدى الطويل حتى مع تباطؤ وتيرة الصعود بحلول عام 2026 من المرجح أن تستقر الأسعار عند مستويات تاريخية مرتفعة نظرا للتحول الهيكلي الذي جعل الذهب جزءا أساسيا من المحافظ الاستثمارية.
وتترقب الأسواق هذا الأسبوع صدور بيانات اقتصادية هامة في الولايات المتحدة قد يتأخر نشرها بسبب الإغلاق الحكومي مثل بيانات الوظائف الشاغرة ومؤشر ISM الصناعي وبيانات التوظيف في القطاع غير الزراعي وقد عززت هذه الضبابية من رهانات المتعاملين على خفض أسعار الفائدة حيث تظهر أداة CME FedWatch أن احتمالية خفض الفائدة في اجتماع أكتوبر تصل إلى 95% مع احتمالية 78% لخفض آخر في ديسمبر.