
في جلسة بارزة ضمن فعاليات مؤتمر ميونخ للأمن الذي استضافته مدينة العُلا لفت حضور الأمير تركي الفيصل الأنظار ليس لمشاركته كمتحدث بل لجلوسه في مقاعد المتابعين يراقب باهتمام عميق كلمة وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان. هذا المشهد حمل في طياته دلالات سياسية عميقة عكست مرحلة انتقال الخبرة في الدبلوماسية السعودية من جيل الرواد المخضرمين إلى الجيل الشاب الذي يقود اليوم ملفات السياسة الخارجية للمملكة.
حضور الأمير تركي الفيصل الصامت تحول بحد ذاته إلى رسالة قوية فوجود شخصية بحجمه وخبرته التي امتدت لربع قرن على رأس جهاز الاستخبارات العامة ثم سفيرا في عواصم كبرى مثل لندن وواشنطن يمثل ذاكرة الدولة الاستراتيجية الحية. اختياره دور المراقب الهادئ بدلا من المشارك الفعّال أظهر ثقة ودعما للجيل الجديد الذي يتولى حاليا صياغة السردية السعودية وعرضها أمام العالم.
إن هذا المشهد يعكس بوضوح فلسفة سعودية راسخة في الحكم والسياسة قائمة على الاستمرارية والتكامل بين الأجيال فالخبرة التاريخية لا تغيب بل تظل حاضرة كمرجعية تُرشد وتواكب المسيرة الجديدة. جلوس الفيصل في الصفوف الخلفية كان بمثابة إقرار بأن الدبلوماسية السعودية تتطور وتتقدم إلى الواجهة بقيادة جديدة لكنها تفعل ذلك وهي تستند إلى إرث سياسي متين وتاريخ طويل من العمل الدبلوماسي الرصين.
يمكن قراءة هذا الحضور كجسر رمزي يربط بين مدرستين في العمل السياسي السعودي فالأمير تركي الفيصل يمثل المدرسة التقليدية المعروفة بتوازنها وبراغماتيتها العالية بينما يقود الجيل الجديد مدرسة أكثر جرأة وانفتاحا تتماشى مع طموحات رؤية 2030. وجوده في القاعة أكد أن هذا الانتقال ليس قطيعة مع الماضي بل هو تطور طبيعي ومدروس يتم تحت عين خبيرة تدرك قيمة الإرث وتشجع على تحقيق الطموح.
في المحصلة جسدت صورة الأمير تركي الفيصل وهو يتابع أعمال المؤتمر مزيجا فريدا بين الذاكرة والخبرة المتراكمة من جهة وبين إفساح المجال كاملا لجيل جديد يملك زمام المبادرة من جهة أخرى. هذا المشهد يوضح أن مسار المملكة متصل وأن حاضرها يُبنى بتوجيه من الماضي بينما يُكتب مستقبلها بثقة على مرأى من الجميع في مشهد يجسد تسليم راية القيادة الدبلوماسية بسلاسة وثقة.