
يواجه الآباء والأمهات تحديا يوميا في غرس الدافع لدى أطفالهم لإنجاز المهام المطلوبة منهم سواء كانت دراسية أو منزلية فالقائمة تطول من ترتيب الغرفة وإنهاء الواجبات المدرسية إلى تناول الطعام الصحي وترك الأجهزة اللوحية ولا توجد حلول سحرية لهذه المعضلة لكن هناك استراتيجيات عملية وذكية يمكنها أن تحدث فارقا كبيرا في سلوك الطفل.
تؤكد الأبحاث التربوية أن أسلوب التعزيز الإيجابي يتفوق بفاعليته وسرعته على العقاب كوسيلة لتعديل السلوك فالمدح والمكافآت تغذي شعور الطفل بالتقدير والثقة بالنفس وتجعله راغبا في إرضاء والديه وهو دافع فطري حتى لو لم يظهره دائما لذلك فإن التركيز على الثناء يوجه حماس الطفل نحو فعل الصواب بدلا من مجرد محاولة تجنب المشاكل والعقوبات لذلك يجب الاحتفاظ بإجراءات الحزم مثل سحب الامتيازات للمواقف التي تستدعي ذلك فعلا.
بدلا من تصيد الأخطاء ولحظات عدم الامتثال من الأفضل أن يحرص الأهل على مراقبة السلوكيات الجيدة وتوثيقها فالإشادة بتصرفات الطفل عندما يكون مسؤولا أو لطيفا أو شجاعا تحفزه على تكرار هذه الأفعال الإيجابية ومن المهم مدحه على تفاصيل محددة مثل استخدامه للكلمات المهذبة أو مشاركته للألعاب أو قدرته على التركيز وإكمال المهام دون تذمر أو حتى شجاعته في تذوق أطعمة جديدة والتعبير عن مشاعره بطريقة سليمة فالإشارة لهذه التصرفات الصحيحة تبني احترامه لذاته وتنمي لديه الدافع الداخلي للاستمرار.
إن الوضوح وتحديد المطلوب بدقة من أهم أدوات التحفيز فالطفل لا يملك القدرة على قراءة الأفكار وإذا لم يكن يعرف ما يتوقعه منه الأهل بوضوح فسيجد صعوبة في تلبية تلك التوقعات فبدلا من إعطاء أمر عام مثل اذهب للدراسة يجب أن يكون الطلب محددا كأن يقال له بعد العشاء أريدك أن تنهي واجبات مادة الرياضيات.
يعتبر الثبات والاتساق في التعامل مع الطفل أساسا لتعليمه الوفاء بالتزاماته فهو يتعلم من خلال فهمه لعواقب أفعاله فعلى سبيل المثال إذا استسلم الأهل لنوبة غضب الطفل في متجر ما فإنهم يعلمونه أن هذا السلوك يحقق له ما يريد أما إذا ظلوا على موقفهم الحازم فسيدرك أن لكلماتهم قيمة ومعنى وينطبق هذا المبدأ على جميع الالتزامات اليومية مثل أوقات الاستحمام أو إنجاز الأعمال المنزلية فعدم الإلزام يفقده الدافع للقيام بها.
يجب استخدام المكافآت كأداة تعليمية وليست كرشوة فالرشاوى تأتي كرد فعل لسلوك سلبي كأن تقول له سأعطيك حلوى إذا توقفت عن الصراخ أما المكافآت فهي استباقية ومخطط لها مسبقا مثل الاتفاق معه على أنه إذا أنهى واجباته المدرسية طوال الأسبوع فيمكنكم الاحتفال بنزهة يوم الجمعة ولتحقيق أقصى فائدة من نظام المكافآت ينصح بالتركيز على سلوك واحد في كل مرة كالنوم في سريره طوال الليل أو الاستعداد للمدرسة في الوقت المحدد مع ضرورة الاتفاق المسبق بين الأهل والطفل على شكل المكافأة وما يجب عليه فعله للحصول عليها وتختلف طبيعة المكافأة باختلاف عمر الطفل فالأطفال الأكبر سنا قد يحتاجون لمكافآت أكبر مثل قضاء ليلة في مشاهدة فيلم بعد إنهائهم قراءة كتاب كامل وعندما يثبت السلوك الإيجابي ويصبح عادة يجب البدء في التخلص التدريجي من المكافأة.
يتعلم الأطفال الكثير من خلال المراقبة والتقليد لذا فإن مقولة افعل ما أقوله لا ما أفعله لا تعد أسلوبا تحفيزيا على الإطلاق فمن الضروري أن يكون الآباء قدوة حسنة في السلوك الذي يتوقعونه من أبنائهم ومن المفيد أيضا مشاركة الأطفال بالاستراتيجيات التي يستخدمها الكبار لتهدئة أنفسهم عند الشعور بالانزعاج أو لإنجاز مهامهم الصعبة.
لن يتحول الطفل بين ليلة وضحاها من حالة الكسل إلى إنجاز جميع مهامه فمن الطبيعي أن يبدي بعض المقاومة أحيانا ومن المهم الحفاظ على توقعات معقولة ومنطقية فإذا كانت التوقعات عالية جدا وغير واقعية فإن محاولات التحفيز ستبوء بالفشل لذلك على الأهل أن يهدفوا إلى بذل قصارى جهدهم ليكونوا قدوة ومن المرجح أن يحذو الأطفال حذوهم.
في بعض الحالات قد لا يكون نقص الدافع لدى الطفل ناجما عن عناد أو كسل بل قد يكون مؤشرا على وجود صعوبات أعمق فالأطفال الذين يعانون من القلق أو اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه أو الاكتئاب قد يجدون صعوبة بالغة في تحفيز أنفسهم والحفاظ على هذا الدافع وفي مثل هذه الظروف لا يمكن تحفيز الطفل للتخلص من حالة سلوكية أو نمائية تتطلب تدخلا متخصصا ومن الضروري التحدث إلى طبيب الأطفال إذا كان هناك شك في وجود مشكلة تتجاوز مجرد العناد.