
يلعب العامل الوراثي دورا محوريا في تحديد احتمالية الإصابة بسرطان الثدي حيث تنتقل جينات معينة عبر الأجيال لتزيد من هذا الخطر بشكل ملحوظ. وعلى الرغم من أن المورثات تحدد صفاتنا الظاهرية كلون الشعر والطول إلا أن تأثيرها يمتد عميقا ليشمل الاستعداد للإصابة بأمراض وحالات صحية معينة مثل التليف الكيسي ومرض الزهايمر وبعض أنواع الأورام.
ويمكن أن تنتقل هذه الجينات الحاملة للخطر من أي من الوالدين على حد سواء فالأمر لا يقتصر على جهة الأم أو الأب. المؤشر الأهم هو تركز حالات الإصابة بسرطان الثدي أو السرطانات الأخرى المرتبطة به في جانب واحد من شجرة العائلة كأن تكون الأم وإحدى خالاتها مصابات مما قد يشير إلى وجود طفرة جينية موروثة. أما وجود حالات متفرقة في كلا جانبي العائلة فلا يعد بالضرورة دليلا قويا على وجود رابط جيني مشترك.
ويأتي على رأس قائمة الجينات المرتبطة بهذا الخطر جينا BRCA1 وBRCA2 وهما الأكثر شهرة ودراسة حيث يمكن أن يرفعا نسبة خطر الإصابة إلى ما يزيد عن ستين بالمئة. لكن القائمة تطول لتشمل طفرات في جينات أخرى مثل TP53 و PALB2 و CDH1 و PTEN و STK11 و CHEK2 و NF1 و ATM بالإضافة إلى جينات أخرى متعددة تم تحديدها من قبل الشبكات المتخصصة في أبحاث السرطان.
ولا يقتصر تأثير هذه الطفرات الجينية على سرطان الثدي فحسب بل يرتبط أيضا بزيادة خطر الإصابة بسرطانات المبيض والبنكرياس والبروستاتا وهي أنواع من الأورام التي كثيرا ما تظهر بشكل متزامن في العائلات التي تحمل هذه المورثات.
لكن تجدر الإشارة إلى أن الحالات الوراثية لا تشكل سوى نسبة ضئيلة تتراوح بين خمسة وعشرة بالمئة فقط من مجمل تشخيصات سرطان الثدي. وهذا يعني أن الغالبية العظمى من الحالات تحدث لأسباب أخرى غير مرتبطة بالتاريخ العائلي المباشر ويمكن أن يصيب المرض أي شخص حتى مع عدم وجود سجل عائلي.
وتتضمن عوامل الخطر الأخرى التقدم في العمر وتحديدا تجاوز سن الخامسة والخمسين عاما بالإضافة إلى السمنة والتعرض للإشعاع واتباع نمط حياة غير صحي يشمل استهلاك الكحول والتبغ فضلا عن استخدام العلاج الهرموني البديل لفترات طويلة. ومن المهم معرفة أن الرجال معرضون أيضا للإصابة بسرطان الثدي وإن كان بنسبة أقل شيوعا وغالبا ما يكون تشخيصهم مرتبطا بوجود هذه الجينات عالية الخطورة.
لهذا السبب يظل الكشف المبكر حجر الزاوية في التعامل مع المرض حيث يسهل علاجه عند اكتشافه في مراحله الأولى وينصح الأطباء عادة بإجراء فحص الماموجرام السنوي للنساء بداية من سن الأربعين. ويتوجب على من لديهم قلق بشأن تاريخهم العائلي استشارة الطبيب خصوصا عند وجود ثلاث حالات إصابة أو أكثر في جهة واحدة من العائلة بسرطان الثدي أو السرطانات المرتبطة به أو إذا تم تشخيص قريبة بسرطان الثدي في سن مبكرة كأن تكون في الخمسين من عمرها أو أصغر أو في حال وجود قريب ذكر مصاب بالمرض أو عند معرفة وجود طفرة جينية محددة لدى أحد الأقارب.