
تواجه المرأة العاملة تحديا يوميا في الموازنة بين متطلبات مسيرتها المهنية ومسؤولياتها الأسرية مما يضع صحتها وتغذيتها في آخر قائمة الأولويات. إن الانغماس في دوامة العمل والضغوط المستمرة قد يجعل فكرة الغذاء الصحي تبدو كرفاهية بعيدة المنال لكن الحقيقة أن تبني نظام غذائي مناسب ليس مرادفا للحرمان أو الحميات القاسية بل هو استثمار ذكي في طاقتك وتركيزك ونجاحك.
أكدت الدكتورة هدى مدحت أخصائية التغذية العلاجية أن صحة المرأة العاملة منظومة متكاملة لا تكتمل بالغذاء الصحي وحده بل يجب أن يدعمها نوم كاف وحركة منتظمة وإدارة جيدة للوقت لتقليل التوتر. وأوضحت أن النجاح الحقيقي للمرأة لا يكمن في اتباع حمية مثالية بل في قدرتها على إيجاد توازن صحي يناسب ظروفها الفريدة ونمط حياتها المزدحم فالاختيار الصحيح للطعام هو خطوة نحو طاقة أعلى وتركيز أعمق ومزاج أفضل وهو ضرورة لاستمرارية العطاء والنجاح.
قبل تبني أي نظام غذائي من الضروري فهم احتياجات الجسم الخاصة فلكل امرأة متطلباتها التي تختلف بناء على طبيعة عملها ومستوى نشاطها اليومي. فإذا كان عملك مكتبيا ويتطلب الجلوس لساعات طويلة فالأفضل هو اختيار نظام منخفض السعرات الحرارية وغني بالبروتين والألياف لضمان الشعور بالشبع والطاقة دون التسبب في زيادة الوزن. أما إذا كان عملك يتطلب نشاطا بدنيا وحركة مستمرة فجسمك يحتاج إلى كمية أكبر من الكربوهيدرات الصحية لتزويد العضلات بالطاقة اللازمة. وفي حال التعرض لضغوط نفسية كبيرة يجب التركيز على الأطعمة الغنية بالمغنيسيوم وفيتامين B مثل المكسرات والموز والشوفان لدورها في تهدئة الأعصاب وتحسين الحالة المزاجية.
إن النظام الغذائي الأنجح للمرأة العاملة هو النظام المرن سهل التطبيق الذي لا يتطلب ساعات طويلة في المطبخ. ويمكن تحقيق ذلك عبر تخصيص يوم في الأسبوع لتحضير مكونات الوجبات مسبقا مثل سلق الدجاج أو طهي الخضروات وتجهيز السلطات. ومن المهم الحرص على أن تكون وجبات المكتب متكاملة وتحتوي على مصدر بروتين مثل التونة أو البيض المسلوق مع الخضروات والفواكه. كما يجب الاحتفاظ بوجبات خفيفة صحية في متناول اليد كالمكسرات غير المملحة والزبادي اليوناني والفواكه المجففة لتجنب اللجوء إلى رقائق البطاطس أو البسكويت عند الشعور بالجوع. ولا يجب إغفال أهمية شرب الماء باستمرار على مدار اليوم فالجفاف يقلل التركيز ويزيد من الإحساس بالجوع الوهمي.
من أكثر الأخطاء شيوعا هو تقليد حميات الزميلات أو المشاهير على وسائل التواصل الاجتماعي دون إدراك أن كل جسم له احتياجاته الخاصة ومعدل حرقه المختلف. النظام الذي يناسب امرأة لا تمارس الرياضة وتعمل لساعات طويلة قد لا يناسب أخرى تمارس الرياضة بانتظام وتحتاج إلى نظام غني بالكربوهيدرات الجيدة لدعم أدائها البدني. لذا فإن الاستماع إلى إشارات الجسم هو المؤشر الأهم فالشعور المستمر بالإرهاق أو الصداع أو العصبية الزائدة يعني أن النظام المتبع غير مناسب ويجب تعديله.
توجد أنماط غذائية متعددة أثبتت فعاليتها وسهولة تطبيقها في خضم الحياة العملية المزدحمة. يعد نظام البحر الأبيض المتوسط خيارا ممتازا لاعتماده على الخضروات والفواكه والحبوب الكاملة والأسماك وزيت الزيتون مما يمنح طاقة متوازنة ويحافظ على صحة القلب. وهناك أيضا النظام المرن الذي يجمع بين النظام النباتي مع إتاحة تناول اللحوم أحيانا وهو مثالي لمن ترغب في تقليل استهلاك اللحوم تدريجيا. أما نظام الصيام المتقطع الذي يعتمد على الامتناع عن الطعام لساعات محددة في اليوم فيفيد النساء اللاتي لا يشعرن بالجوع صباحا ويساعد على تحسين الحرق لكنه قد لا يناسب من يعانين من فقر الدم. وأخيرا يبرز أسلوب الأكل الواعي الذي يعتمد على تناول الطعام ببطء والانتباه لإشارات الجوع الحقيقية وتجنب الأكل العاطفي مما يحسن العلاقة النفسية بالطعام.
من الضروري تغيير النظرة إلى الطعام من كونه عقابا أو مصدرا للقلق إلى اعتباره وقودا للجسم والعقل يدعم قدرتك على الإنجاز. يجب تناول الطعام بوعي وهدوء حتى في المكتب وتجنب الأكل أثناء استخدام الهاتف أو العمل على الكمبيوتر. السماح للنفس بتناول قطعة شوكولاتة صغيرة بين الحين والآخر أفضل من الحرمان التام الذي قد يؤدي إلى نتائج عكسية فالتوازن هو مفتاح الاستمرارية.
لتطبيق نظامك الغذائي بنجاح ابدئي بتحديد أهداف واضحة سواء كانت فقدان الوزن أو زيادة التركيز أو الحصول على طاقة مستقرة. سجلي عاداتك الغذائية لمدة أسبوع لاكتشاف نقاط الضعف ثم ابدئي بخطوات صغيرة كتغيير وجبة خفيفة غير صحية بأخرى صحية. راقبي تقدمك أسبوعيا من حيث الطاقة والمزاج وجودة النوم وكافئي نفسك بغير الطعام مثل الحصول على قسط من الراحة أو شراء كتاب جديد.
إليك نموذج ليوم غذائي متوازن يمكن للمرأة العاملة اتباعه للحفاظ على طاقتها وتركيزها.
الإفطار قبل الذهاب للعمل
ابدئي يومك بكوب ماء دافئ مع عصير ليمون ثم تناولي الشوفان بالحليب مع قليل من العسل وقطع الفاكهة أو شريحتين من الخبز الأسمر مع جبن قريش وخضروات.
وجبة خفيفة في المكتب
في منتصف الصباح يمكنك تناول حفنة من المكسرات غير المملحة أو كوب من الزبادي اليوناني أو ثمرة فاكهة.
الغداء
يجب أن يحتوي على طبق متوسط من الأرز البني أو البطاطا المسلوقة مع قطعة دجاج أو سمك مشوي وسلطة خضراء كبيرة بزيت الزيتون.
وجبة خفيفة بعد الظهر
كوب من القهوة أو الشاي مع قطعة شوكولاتة داكنة أو خضروات مقطعة مع قليل من الحمص.
العشاء
يفضل أن يكون خفيفا ومغذيا مثل شوربة خضار دافئة مع شريحة توست أسمر أو علبة تونة مع سلطة زبادي وخيار قبل ساعتين على الأقل من النوم.
قبل النوم
كوب من مشروب مهدئ كالبابونج أو النعناع يساعد على الاسترخاء والنوم العميق.