الضغوط النفسية للأمهات.. علامات خفية تنذرك بالخطر أبرزها العصبية الزائدة

الضغوط النفسية للأمهات.. علامات خفية تنذرك بالخطر أبرزها العصبية الزائدة
الضغوط النفسية للأمهات.. علامات خفية تنذرك بالخطر أبرزها العصبية الزائدة

تواجه الكثير من الأمهات تحديات نفسية وجسدية هائلة في رحلة الأمومة التي تعد من أسمى التجارب الإنسانية ورغم جمالها فإنها قد تتحول إلى دوامة من المسؤوليات اليومية والضغوط التي تستنزف طاقتهن وتسلبهن الشعور بالشغف دون أن ينتبهن للإشارات التحذيرية التي يرسلها الجسد والعقل.

توضح خبيرة التنمية البشرية ومدربة الحياة شيرين محمود أن هذه العلامات بمثابة رسائل استغاثة لا ينبغي تجاهلها فهي دعوة صريحة لأخذ قسط من الراحة والانفصال المؤقت عن الروتين اليومي لاستعادة التوازن الداخلي المفقود وتؤكد أن اهتمام الأم بنفسها ليس رفاهية أو أنانية بل هو مسؤولية أساسية لأن إهمالها لراحتها يؤثر سلبا على استقرار الأسرة بأكملها فالابتعاد المدروس عن ضغوط الأمومة لا يقلل من شأنها بل يعزز من اتزانها النفسي ويجعلها أما أكثر هدوءا وقدرة على منح الحب والعطاء.

من أبرز المؤشرات التي تدل على حاجة الأم الملحة للراحة هو الشعور بالإرهاق المزمن الذي لا يزول حتى بعد الحصول على قسط من النوم فالاستيقاظ صباحا مع إحساس بالتعب قبل بدء اليوم يعد دليلا قويا على نفاد مخزون الطاقة الداخلي وهذا الإنهاك لا يقتصر على الجانب الجسدي بل يمتد ليشمل الإرهاق النفسي الذي يجعل الأم تشعر بثقل مستمر يلازمها طوال اليوم وهنا تصبح الإجازة القصيرة من المهام المتكررة ضرورة لإعادة شحن طاقتها.

على الصعيد العاطفي تظهر علامات أخرى مثل العصبية المفرطة وفقدان القدرة على الصبر حيث تصبح ردود فعل الأم تجاه المواقف البسيطة كضجيج الأطفال أو أي حدث عابر حادة وسريعة الانفعال هذا التحول في المزاج ليس مجرد تقلب عابر بل هو نتاج ضغط نفسي متراكم وتكرار رتيب للمسؤوليات اليومية إن فقدان السيطرة على الأعصاب هو إنذار صامت بأن الأم بحاجة ماسة للابتعاد قليلا عن مصدر التوتر لتستعيد هدوءها الداخلي ومرونتها العاطفية وهذا الانفصال يعد وقاية لها من الانفجار العاطفي الذي قد يضرها ويؤثر على علاقتها بأطفالها.

أحد الأعراض العميقة هو فقدان المتعة في الأنشطة التي كانت مصدرا للسعادة سابقا فعندما تتحول تفاصيل الحياة اليومية من تحضير الطعام إلى المذاكرة مع الأبناء وترتيب المنزل إلى مجرد واجبات ثقيلة خالية من أي شعور بالرضا أو الإنجاز فهذا يعني أن الروتين اليومي قد استهلك طاقتها العاطفية بالكامل وفي هذه الحالة تحتاج الأم إلى كسر هذا النمط ولو ليوم واحد عبر ممارسة نشاط مختلف أو قضاء وقت خاص بها بعيدا عن الالتزامات المنزلية فالروتين الطويل يفقد الحياة بهجتها ويجعل حتى اللحظات السعيدة تمر دون أن تترك أثرا إيجابيا.

يضاف إلى ذلك الشعور المتكرر بالذنب الذي يلاحق الكثير من الأمهات بالرغم من المجهود الهائل الذي يبذلنه فتجد الأم تسأل نفسها باستمرار هل أنا أم جيدة؟ هل قصرت في واجباتي؟ هل كنت قاسية اليوم؟ هذا الإحساس المستمر بالتقصير رغم تفانيها هو علامة خفية على إنهاك نفسي عميق يدعوها لمراجعة ذاتها وأخذ مسافة قصيرة عن مسؤولياتها اليومية لإعادة التواصل مع نفسها كإنسانة وليس فقط كأم تؤدي دورها.

كذلك يعد غياب الرغبة في التواصل الاجتماعي مؤشرا قويا فعندما تبدأ الأم برفض دعوات الخروج أو لقاء الأصدقاء وتفضل العزلة حتى في أوقات فراغها القليلة فإن ذلك لا يعكس كسلا بل يشير إلى أن ضغط المسؤوليات استنزفها لدرجة أنها لم تعد تملك طاقة للتفاعل مع الآخرين إن الخروج من دائرة الأمومة المغلقة ولو لساعات قليلة يمنحها فرصة للتنفس والعودة إلى أسرتها بحيوية وطاقة متجددة.

من العلامات الواضحة أيضا إهمال العناية بالنفس حيث تبدأ الأم في تجاهل مظهرها وصحتها وتؤجل كل ما يتعلق بها لحساب متطلبات أسرتها هذا السلوك ينبع من شعورها بأنها في آخر قائمة الأولويات وهو نتيجة استنزاف نفسي مزمن يجعلها تفقد إحساسها بذاتها تدريجيا مما ينعكس سلبا على صحتها النفسية والجسدية على المدى الطويل.

يؤثر الإرهاق الذهني أيضا على جودة النوم فالأرق المستمر أو النوم المتقطع لا يكون دائما بسبب رعاية الأطفال بل قد ينتج عن التفكير الزائد وعدم قدرة العقل على الاسترخاء وعندما تجد الأم نفسها تلجأ إلى هاتفها قبل النوم كمحاولة لتفريغ التوتر فهذا دليل على أن ذهنها مثقل بما يفوق طاقته وأنها بحاجة ماسة لوقفة تعيد التوازن لحياتها.

قد يصل الأمر إلى الشعور بفقدان الهوية وهو من أكثر العلامات عمقا حيث تشعر الأم بأنها أصبحت مجرد دور تؤديه ونسيت من كانت قبل الأمومة وأهملت شغفها وأحلامها الشخصية هذا الذوبان الكامل في دور الأم يخلق فراغا داخليا مؤلما ويجعل الانفصال المؤقت عن الروتين ضرورة ملحة لإعادة اكتشاف ذاتها وهويتها الفردية.

كما أن التفكير المتكرر في الهروب مثل تخيل السفر وحيدة أو الجلوس في مكان هادئ بعيدا عن الجميع ليس أنانية بل هو غريزة طبيعية لإنقاذ الذات فالعقل يرسل إشارات واضحة بأنه لم يعد قادرا على مواصلة العمل بنفس الوتيرة المحمومة وأخيرا البكاء المفاجئ دون سبب واضح هو علامة على تراكم المشاعر المكبوتة وصرخة داخلية تطلب الراحة والهدوء النفسي.

إن منح الأم نفسها فرصة للفصل عن الروتين لا يعني التقصير في واجباتها بل هو استثمار في صحتها النفسية التي تمثل عمود الأسرة الفقري فعندما تحصل على قسط من الراحة أو تمارس نشاطا تحبه تعود إلى أسرتها أكثر اتزانا وحنانا وحضورا فالراحة ليست رفاهية بل هي أداة أساسية للحفاظ على قدرتها على العطاء المستمر.