تواجه الكثير من الأمهات تحديا يوميا مرهقا يتمثل في المذاكرة مع أطفالهن خاصة عندما يتسم الطفل بالعناد ورفض التعاون. وفي هذا السياق توضح الدكتورة عبلة إبراهيم خبيرة التربية والمستشارة الأسرية أن عناد الطفل ليس بالضرورة سلوكا سيئا بل هو غالبا تعبير عن رأيه وبداية لتكوين شخصيته المستقلة ورغبته في إثبات ذاته لكن هذا السلوك يصبح تحديا حقيقيا عندما يتحول إلى مقاومة مستمرة لكل طلب.
قبل البحث عن حلول من المهم فهم الأسباب الكامنة وراء هذا السلوك إذ إن معرفة السبب تسهل التعامل مع الموقف بهدوء وفعالية. قد يكون عناد الطفل أثناء المذاكرة ناتجا عن شعوره بالملل من طول مدة الدراسة أو بسبب تكرار نفس الأسلوب كل يوم. أحيانا يكون السبب هو الخوف من الفشل أو من رد فعل الأم عند ارتكابه خطأ ما وقد يشعر أيضا بالضغط النفسي نتيجة مقارنته بإخوته أو زملائه وفي أحيان أخرى يكون الأمر مجرد رغبة في الشعور بالسيطرة وأنه ليس مجبرا على فعل شيء لا يريده.
إن مفتاح التعامل مع الطفل العنيد يكمن في هدوء الأم نفسها فالطفل يكتسب حالته العاطفية منها فإذا رأى أمه متوترة أو غاضبة يتحول الموقف إلى صراع قوة. أما إذا حافظت الأم على هدوئها حتى وهو يرفض المذاكرة فإنه سيشعر بالأمان ويتعلم منها كيفية إدارة مشاعره تدريجيا. لا ضرر من تأجيل المذاكرة لنصف ساعة إذا كان الجو مشحونا فالهدف هو التعاون وليس الانتصار في النقاش. ومن المهم أيضا أن تفصل الأم بين هوية طفلها وسلوكه فبدلا من أن تقول له أنت عنيد يمكنها أن تقول سلوكك الآن فيه بعض العناد وبهذه الطريقة لا تغرس فيه صفة سلبية دائمة وتفتح أمامه بابا لتغيير سلوكه.
تلعب لغة الحوار دورا محوريا في التعامل مع الطفل العنيد الذي لا يستجيب للأوامر المباشرة ولكنه يتجاوب مع الاحترام والمشاركة. فبدلا من استخدام صيغ الأمر مثل ذاكر الآن أو لن تلعب حتى تنهي واجباتك يمكن استخدام عبارات تشعره بأنه شريك في القرار مثل هل تفضل أن نبدأ بالمادة السهلة أم الصعبة أولا أو ما رأيك أن نراجع معا ما درسته اليوم. هذه الطريقة تمنحه شعورا بالحرية والاختيار مما يقلل من مقاومته بشكل كبير.
من الضروري أيضا التركيز على تشجيع المجهود الذي يبذله الطفل وليس فقط النتيجة النهائية أو الدرجات التي يحصل عليها. يحتاج الطفل العنيد إلى سماع عبارات تقدير مستمرة لدفعه نحو تكرار السلوك الإيجابي. يمكن للأم أن تقول له أنا فخورة بمحاولتك لحل الواجب بنفسك أو أعجبتني طريقتك في التفكير لحل هذه المسألة. عندما يشعر الطفل أن تعبه مقدر يتحفز تلقائيا لإكمال مهامه دون عناد.
أحد الأخطاء الشائعة هو إجبار الطفل على المذاكرة فور عودته من المدرسة أو بعد تناول الطعام مباشرة حيث يكون في هذه الأوقات متعبا أو غير قادر على التركيز. يجب اختيار وقت مناسب يكون فيه الطفل نشيطا ومستعدا بعد أن يكون قد نال قسطا من الراحة أو تناول وجبة خفيفة. كما يجب الحرص على توفير جو هادئ خال من المشتتات مثل التلفاز أو الأصوات العالية أو إشعارات الهواتف فالهدوء المحيط يساعد على تهدئة الطفل داخليا.
لتجنب الصدام اليومي يمكن استخدام أسلوب الاتفاق المسبق من خلال وضع جدول ثابت للمذاكرة بالتشاور مع الطفل. يمكن للأم أن تقول اتفقنا على أن وقت المذاكرة يبدأ الساعة السادسة وبعدها سيكون لديك وقت كامل للعب. عندما يشارك الطفل في وضع الاتفاق يشعر بالمسؤولية تجاه تنفيذه وعندما يلتزم به يجب على الأم أن تلتزم بوعدها ومكافأته بالنشاط الذي يحبه.
كما أن شعور الطفل بأن المذاكرة مهمة طويلة ومملة لا تنتهي يدفعه للمقاومة لذا من الأفضل تقسيم وقت الدراسة إلى فترات قصيرة تتراوح بين عشرين وثلاثين دقيقة تتخللها استراحات قصيرة لمدة خمس أو عشر دقائق. خلال فترة الراحة يمكنه الحركة أو شرب عصير ثم العودة مرة أخرى بنشاط متجدد هذا الأسلوب يجعل مهمة المذاكرة تبدو أخف وأقل إرهاقا.
لتحويل المذاكرة من واجب ثقيل إلى نشاط ممتع يمكن للأم أن تبتكر أساليب غير تقليدية بعيدا عن الكتاب والدفتر. الطفل العنيد بطبيعته يحب الحركة والاكتشاف لذا يمكن تحويل بعض الدروس إلى ألعاب مثل تنظيم مسابقات سريعة في الرياضيات أو استخدام بطاقات ملونة للمساعدة على الحفظ أو مشاهدة فيديوهات تعليمية قصيرة ومسلية.
والأهم من ذلك هو ربط ما يتعلمه الطفل بحياته اليومية ليشعر بقيمة وأهمية المذاكرة. كثير من الأمهات يركزن على إنجاز الواجبات والحصول على درجات مرتفعة أكثر من اهتمامهن بفهم الطفل واستيعابه الحقيقي للمعلومات. عندما يدرك الطفل كيف ستفيده هذه المعلومات في حياته مثل أن الرياضيات تساعده في حساب مصروفه وأن القراءة تمكنه من فهم قصصه المفضلة فإنه يتفاعل مع التعلم بشكل طبيعي وبدافع داخلي.
