
بات الاستخدام المكثف لمنصات التواصل الاجتماعي ظاهرة مقلقة لدى الأطفال والمراهقين حيث تشير بيانات صادرة عن منظمات صحية عالمية إلى أن هذه الفئة العمرية تقضي ساعات طويلة يومياً في تصفح محتوى متنوع مما يثير تساؤلات جدية حول تأثير هذه العادات على صحتهم النفسية والعقلية وسلامتهم الرقمية في عالم متصل باستمرار.
رغم أن معظم التطبيقات تضع حداً أدنى للعمر يبلغ ثلاثة عشر عاماً للانضمام إليها إلا أن الواقع يظهر تجاوزاً كبيراً لهذه القيود إذ يستخدم نحو 40% من الأطفال بين سن الثامنة والثانية عشرة هذه المنصات بينما ترتفع النسبة بشكل هائل لتصل إلى 95% بين المراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين ثلاثة عشر وسبعة عشر عاماً. هذا الانتشار الواسع دفع الخبراء إلى التحذير من العواقب الوخيمة حيث يربطون بين قضاء المراهقين لأكثر من ثلاث ساعات يومياً على هذه المنصات وبين تضاعف مخاطر تعرضهم لمشاكل نفسية حادة كالقلق والاكتئاب.
تتعدد الأخطار التي يتعرض لها الصغار في الفضاء الرقمي ويأتي على رأسها التأثير السلبي على الصورة الذاتية للجسد فالوقت الطويل الذي يقضونه في مشاهدة صور ومقاطع مصممة بعناية ومعدلة تقنياً يزيد من شعورهم بعدم الرضا عن أشكالهم ويغذي لديهم اضطرابات الأكل ويقلل من تقديرهم لذواتهم. وتكشف التقارير أن ما يقرب من نصف المراهقين أقروا بأن وسائل التواصل الاجتماعي جعلتهم يشعرون بالسوء تجاه أجسادهم نتيجة المقارنات المستمرة مع صور غير واقعية تمثل معايير جمال مصطنعة.
لا يقل التنمر الإلكتروني خطورة عن سابقه فهو يمثل تهديداً مستمراً يحدث عبر الإنترنت بهدف مضايقة شخص ما أو إحراجه أو تهديده. وتنتشر الصور والعبارات والمقاطع المؤذية بسرعة هائلة حيث أفاد ما يقرب من 64% من المراهقين بتعرضهم لمحتوى قائم على الكراهية. وما يزيد الأمر سوءاً أن التنمر الإلكتروني يلاحق الضحية في كل مكان وزمان مما يجعل الهروب من التفاعلات السلبية أمراً شبه مستحيل.
يضاف إلى ذلك خطر المتحرشين عبر الإنترنت الذين يستهدفون الأطفال والمراهقين لأغراض مختلفة تتراوح بين الاستغلال الجنسي والابتزاز المالي أو حتى بيعهم مواد مخدرة. ويصعب على الأطفال في هذه المرحلة العمرية التمييز بين ما هو آمن للمشاركة وما يجب إخفاؤه. وتشير إحصائية مقلقة إلى أن ست من كل عشر فتيات مراهقات تعرضن للتواصل من قبل غرباء بطريقة أثارت لديهن شعوراً بعدم الارتياح.
كما تمثل التحديات الفيروسية الخطيرة جانباً آخر من جوانب الخطر حيث ينساق الأطفال والمراهقون خلفها دون امتلاك الوعي الكافي لتقييم عواقبها التي قد تصل إلى إصابات بليغة أو حتى الوفاة. إن عدم اكتمال نمو الوظائف المعرفية لديهم يجعلهم غير قادرين على التفكير بعمق في المواقف الضارة مما يعرضهم لمخاطر جسدية حقيقية.
لاحظت دراسات حديثة ظهور أعراض جسدية وسلوكية مقلقة لدى الأطفال الذين يكثرون من استخدام بعض التطبيقات الشهيرة مثل الإصابة بمتلازمات حركية لا إرادية ونوبات عصبية يُعتقد أنها ناتجة عن التوتر والقلق المتزايدين بسبب الإفراط في استهلاك المحتوى الرقمي. وعلى الصعيد السلوكي قد يلاحظ الآباء تغيرات واضحة في المنزل تشمل زيادة التهيج والعصبية ومشاكل في النوم وتدني احترام الذات بالإضافة إلى نقص حاد في التركيز والانتباه.
إن التوقف عن استخدام هذه المنصات ليس بالأمر الهين إذ يشعر الكثير من المراهقين وخصوصاً الفتيات في سن مبكرة بحالة شبيهة بالإدمان وقد أفاد أكثر من نصفهم بأنه سيكون من الصعب جداً عليهم التخلي عنها مما يكشف عن قوة التأثير النفسي لهذه التطبيقات.
أمام هذا الواقع يبرز دور الأهل المحوري في توعية أبنائهم وتوجيههم حيث يجب إجراء محادثات صريحة ومفتوحة حول طبيعة هذه المنصات والقواعد العائلية المتعلقة باستخدامها مع التأكيد على أنها لا تعكس الحقيقة الكاملة لحياة الآخرين. ومن الضروري خلق مساحة آمنة تسمح للأطفال باللجوء إلى والديهم عند مواجهة أي مخاوف أو تساؤلات.
ورغم كل هذه المخاطر قد تحمل وسائل التواصل الاجتماعي بعض الجوانب الإيجابية إذا تم استخدامها بشكل واعٍ وموجه حيث يمكن أن تساعد الطفل على تعلم مهارات التواصل وإدارة العلاقات الاجتماعية. لذا قد لا يكون المنع التام هو الحل الأمثل أو الواقعي. وبدلاً من ذلك يمكن للآباء تحديد فترة اختبار مع وضع توقعات وقواعد واضحة وعواقب لعدم الالتزام بها.
يوصي خبراء طب الأطفال بتحديد وقت الشاشة بساعتين يومياً كحد أقصى مع التركيز على الصورة الأكبر وهي ضمان حصول الطفل على قدر كافٍ من النشاط البدني والتفاعلات الاجتماعية الحقيقية وجهاً لوجه. ومن المهم أيضاً أن يتحقق الآباء بشكل دوري مما يستهلكه أطفالهم عبر أجهزتهم.
يجب على الآباء أن يكونوا قدوة حسنة في ممارسة سلوكيات رقمية آمنة وصحية أمام أطفالهم فإن مشاهدة الطفل لوالديه وهما يستخدمان التكنولوجيا بشكل متوازن ومسؤول يمكن أن يحدث فرقاً كبيراً في تشكيل عاداته الرقمية المستقبلية.