
تنتشر العديد من المفاهيم المغلوطة حول سرطان الثدي بالتزامن مع تزايد حملات التوعية بأهمية الكشف المبكر مما قد يسبب قلقا غير مبرر لدى بعض النساء أو يعطي شعورا زائفا بالأمان لدى أخريات. إن الاعتماد على معلومات غير دقيقة في تقييم صحة الثدي قد يؤخر بشكل خطير الحصول على الاستشارة الطبية اللازمة لذلك يصبح التمييز بين الحقائق والخرافات الشائعة أمرا ضروريا وحاسما.
من بين الأوهام الراسخة أن الطبيب المتمرس يمكنه تحديد ما إذا كانت كتلة ما سرطانية أم لا بمجرد فحصها يدويا. لكن الحقيقة الطبية تؤكد أنه لا يمكن لأي فحص سريري مهما بلغت دقته أن يكون بديلا عن التصوير التشخيصي فالفحص باللمس هو مجرد خطوة أولى لتحديد وجود كتلة وليس لتشخيص طبيعتها لذلك يجب الإصرار على إجراء فحوصات تصويرية مثل الماموغرام أو الموجات فوق الصوتية عند ملاحظة أي تغير.
هناك خرافة أخرى قوية ومطمئنة بشكل خادع وهي أن الكتلة المتحركة تحت الجلد ليست سرطانية. على العكس تماما تبدأ غالبية الأورام السرطانية في الثدي ككتل متحركة في مراحلها المبكرة ولا تصبح ثابتة في مكانها إلا بعد أن تنمو وتكبر وتلتصق بالأنسجة المحيطة بها. لهذا السبب يجب إبلاغ الطبيب فورا بأي كتلة يتم الشعور بها بغض النظر عن مدى حركتها.
كما يشاع أن سرطان الثدي لا يسبب الألم وهو مفهوم خاطئ بشكل كبير. ففي حين أن العديد من الحالات قد لا يصاحبها ألم يمكن لبعض الأورام أن تكون مؤلمة جدا ويعتمد ذلك على موقعها في الثدي وسرعة نموها وما إذا كانت تضغط على الأعصاب أو الأنسجة المجاورة. ويعد الشعور بألم مستمر ومتركز في بقعة معينة علامة تحذيرية تستدعي الفحص ويجب تمييزه عن الألم العام المتقطع الذي قد يحدث بسبب التغيرات الهرمونية.
تثير إفرازات الحلمة قلقا شديدا لدى النساء وغالبا ما ترتبط مباشرة بالسرطان لكن في معظم الحالات تكون هذه الإفرازات ناتجة عن أسباب حميدة تماما مثل بقايا الحليب في القنوات اللبنية بعد فترة الرضاعة أو حتى بسبب تراكم بعض الأوساخ التي قد تسبب إفرازات ذات لون أخضر أو أسود. ما يستدعي القلق فعلا هو الإفرازات الدموية أو الصافية الشبيهة بالماء والتي تخرج من الحلمة بشكل تلقائي دون الضغط عليها ومع ذلك حتى هذا النوع من الإفرازات لا يعني بالضرورة وجود سرطان إذ تشير الإحصاءات إلى أنه قد يكون علامة على السرطان في حوالي عشرة بالمئة فقط من الحالات وغالبا ما يكون السبب حالة حميدة داخل القناة اللبنية.
يحدث خلط شائع أيضا بين الإحساس بأن نسيج الثدي متكتل وبين ما يعرف طبيا بالثدي الكثيف. الشعور بوجود تكتلات لا علاقة له بكثافة الثدي فكثافة الثدي هي مصطلح يستخدم لوصف ما يظهر في صورة الماموغرام حيث تظهر أنسجة الغدد والقنوات اللبنية باللون الأبيض. وبما أن الأورام تظهر بيضاء أيضا فإن الثدي الكثيف قد يخفي وجودها. لهذا السبب قد يوصى النساء ذوات الأثداء الكثيفة بإجراء تصوير ثلاثي الأبعاد أو فحوصات إضافية مثل الرنين المغناطيسي إذا كن من الفئات عالية الخطورة.
بعد تفنيد هذه الخرافات من المهم التركيز على الأعراض الفعلية التي يجب الانتباه إليها. تشمل العلامات التحذيرية أي تغير في حجم الثدي أو شكله أو محيطه وظهور كتلة أو منطقة متسمكة في الثدي أو بالقرب منه أو في منطقة الإبط تستمر حتى بعد انتهاء الدورة الشهرية. كما يجب مراقبة أي تغير في مظهر أو ملمس الجلد مثل ظهور تنقير يشبه قشر البرتقال أو تجعد أو تقشر أو التهاب أو احمرار في جلد الثدي أو الحلمة. إن ملاحظة منطقة تبدو مختلفة بشكل واضح عن بقية نسيج الثدي أو الإحساس بوجود منطقة صلبة تشبه الرخام تحت الجلد هي أيضا من المؤشرات الهامة.
إن الكتل والتغيرات في الثدي تؤثر على معظم النساء في مرحلة ما من حياتهن وغالبا لا تكون سرطانية. لكن الطريقة الوحيدة لاستبعاد الإصابة بالسرطان بشكل آمن هي من خلال التقييم الطبي المتخصص. إن الفحص الذاتي المنتظم وتصوير الثدي بالأشعة السينية واليقظة تجاه أي علامات غير معتادة تبقى هي الأدوات الأقوى لمواجهة هذا المرض حيث يمثل الكشف المبكر مفتاح النجاة الأول.