
تولي المملكة العربية السعودية اهتماما بالغا بفئة كبار السن الذين يقارب عددهم المليون مواطن ممن تجاوزوا الخامسة والستين عاما حيث تضعهم في صلب استراتيجيتها التنموية لجودة الحياة. وتتجلى هذه العناية في منظومة متكاملة من البرامج والمبادرات التي تضمن لهم حياة كريمة تتجاوز مجرد الرعاية إلى التقدير والاحترام في كافة مناحي الحياة.
يشكل نظام حقوق كبير السن ورعايته الذي صدر عام 1443 هجريا الإطار التشريعي لهذه الجهود الوطنية حيث يتألف من 23 مادة قانونية تهدف إلى تنظيم بيئة معيشية كريمة لهم. ويرسخ هذا النظام مبدأ التكامل بين الجهات الحكومية والأهلية ويعزز الشراكات مع القطاع الخاص في مجالات الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية لتوحيد الجهود وضمان تقديم أفضل الخدمات.
وفي هذا السياق تتولى وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية تنفيذ جوانب مهمة من هذا النظام عبر شبكة واسعة من 12 دار رعاية اجتماعية موزعة في أنحاء المملكة لتقدم خدمات الإيواء والعلاج والتأهيل. كما تصل برامج الرعاية المنزلية إلى المسنين في بيوتهم لتوفير الدعم اللازم لهم في محيطهم الأسري فيما تعمل مبادرة ديوانية الغالين على إعادة تفعيل التواصل الإنساني والاجتماعي بين الأجيال المختلفة.
وفي القطاع الصحي تحظى هذه الفئة بأولوية خاصة إذ تتابع وزارة الصحة آلاف الحالات عبر برنامج الرعاية الصحية المنزلية وتوفر لهم بطاقة أولوية التي تمنحهم الأسبقية في الحصول على الخدمات في المستشفيات والمراكز الطبية. وتعمل الوزارة كذلك على رفع مستوى الوعي بأمراض الشيخوخة وتدريب الكوادر الطبية على تخصص طب كبار السن مع ربط جميع الخدمات الصحية المقدمة بمؤشرات جودة وأداء دقيقة.
ولم تغفل الجهود عن الجانب المعرفي والتعليمي لكبار السن إيمانا بأهمية التعلم المستمر حيث تقدم وزارة التعليم نموذجا فريدا عبر منظومة التعليم المستمر التي تشمل 1738 مدرسة. وتبث قناة عين التعليمية دروسا مخصصة لهم كما نفذت الوزارة أربع حملات صيفية لمحو الأمية في 75 مركزا بأربع مناطق استفاد منها أكثر من 2100 شخص خلال عام 2025 مما يفتح لهم نوافذ جديدة للمعرفة ويجدد مكانتهم في المجتمع.
تؤكد هذه الجهود المتكاملة أن تقدم العمر لا يعني نهاية العطاء بل بداية مرحلة جديدة من التقدير لمن قدموا شبابهم لخدمة وطنهم ليجدوا وطنهم في كبرهم أكثر قربا وإنصافا. هذه الرعاية الشاملة تعبر عن صورة إنسانية حديثة تحول الوفاء إلى ممارسة مؤسسية يومية وجزء لا يتجزأ من قيم الدولة الراسخة التي تجعل الكرامة سياسة عامة.