تمكين الفتاة يبدأ من البيت.. كيف تساهم الأسرة في بناء مستقبلها؟

تمكين الفتاة يبدأ من البيت.. كيف تساهم الأسرة في بناء مستقبلها؟
تمكين الفتاة يبدأ من البيت.. كيف تساهم الأسرة في بناء مستقبلها؟

يتزامن الاحتفال باليوم العالمي للفتاة في الحادي عشر من أكتوبر من كل عام مع تجدد الدعوات العالمية لتعزيز حقوق الفتيات وتسليط الضوء على ضرورة تمكينهن في مختلف المجالات إلا أن التركيز على الجهود المؤسسية والحكومية قد يغفل أحيانا عن نقطة الانطلاق الحقيقية والأكثر تأثيرا وهي البيت.

إن بناء شخصية الفتاة يبدأ فعليا من داخل جدران المنزل الذي يعد بمثابة المحضن الأول الذي تتشكل فيه معالم هويتها وتُغرس فيه بذور ثقتها بنفسها أو على النقيض قد يتحول إلى بيئة تنمو فيها مشاعر الخوف وانعدام القيمة إذا غاب الدعم الأسري الواعي فالأسرة هي النواة التي تحدد مسار حياة الفتاة.

وتشير الدكتورة عبلة إبراهيم أستاذة التربية والمستشارة في العلاقات الأسرية إلى أن الشعور بالضعف أو النقص ليس فطريا لدى الفتاة بل هو شعور مكتسب تتشربه من محيطها فعندما يعامل الأبوان ابنتهما على أنها أقل شأنا من أخيها أو يتجاهلان آراءها أو يفرضان عليها الطاعة المطلقة دون إفساح المجال للحوار فإنهما يرسلان لها رسالة ضمنية مفادها أن وجودها ورأيها ليسا بتلك الأهمية.

وعلى العكس تماما فإن تنشئة الفتاة في بيئة قائمة على الاحترام المتبادل وتشجيعها على التعبير عن رأيها والمشاركة في اتخاذ القرارات يمنحها الأدوات النفسية اللازمة لتؤمن بقدرتها على قيادة حياتها المستقبلية وتدرك أن لصوتها وزنا وقيمة.

ويعتبر الاستماع الجاد للفتاة خطوة عملية أساسية نحو تمكينها فكثير من الفتيات اللاتي لا يجدن آذانا صاغية في بيوتهن يبحثن عن هذا الاحتواء في العالم الخارجي وعندما تخصص الأم وقتا للاستماع لابنتها دون توبيخ أو مقاطعة فهي تمنحها شعورا بالأمان النفسي لا يقدر بثمن كما أن حوار الأب مع ابنته واهتمامه بما تفكر به يعزز قيمتها الذاتية ويجعلها تشعر بأنها محط تقدير واحترام.

إن التمكين لا يعني منح حرية مطلقة بل هو إعطاء الفتاة مساحة مسؤولة للتجربة والتعلم من أخطائها تحت إشراف وتوجيه حكيم امنحها فرصة اختيار ملابسها وهواياتها وتنظيم وقتها وشاركها في القرارات الأسرية البسيطة فهذه الممارسات الصغيرة تبني داخلها القدرة على تحمل المسؤولية واتخاذ القرارات بثقة.

كما أن بناء صورة ذاتية إيجابية لدى الفتاة يعد ركنا أساسيا في رحلة التمكين فالنقد المستمر والمقارنات بالآخرين مثل عبارات “ابنة خالتك أفضل منك” تدمر ثقتها بنفسها وبدلا من ذلك يجب استخدام كلمات تشجيعية مثل “أنا فخور بمحاولتك” أو “من الجيد أنك تعلمت من هذا الخطأ” فالكلمات الإيجابية تبني فتاة قوية تعرف قيمتها الحقيقية.

ولا يقل دور القدوة الحسنة أهمية عن أي نصيحة مباشرة فعندما ترى الفتاة والدتها امرأة واثقة من نفسها تعبر عن رأيها وتوازن بين اهتماماتها ومسؤولياتها فإنها تتعلم أن الأنوثة والقوة لا يتعارضان وعندما ترى والدها يعامل والدتها ونساء عائلته باحترام وتقدير فإنها تدرك أن هذا هو الوضع الطبيعي الذي تستحقه.

كذلك يجب توعية الفتاة بحقوقها وواجباتها وتعليمها كيفية وضع حدود صحية في علاقاتها اشرح لها كيف تقول “لا” بثقة عندما تتعرض لضغط لا ترغبه وكيف تطلب المساعدة عند مواجهة أي شكل من أشكال التنمر أو الإساءة فهذه المعرفة تعد درعا نفسيا واجتماعيا يحميها.

ويأتي التعليم وتنمية التفكير النقدي كأحد أقوى أسلحة التمكين شجع ابنتك على القراءة ومناقشة ما تقرأه واسألها عن رأيها في الأحداث الجارية فالفتاة التي تتعلم كيف تفكر بشكل مستقل تصبح إنسانة قادرة على صنع خياراتها لا مجرد متلقية للأوامر.

من الضروري أيضا دعم مواهب الفتاة وأحلامها مهما بدت بسيطة فكثير من الأحلام تموت بسبب سخرية الأهل أو استخفافهم بها ساعد ابنتك على اكتشاف شغفها سواء كان في الفن أو الرياضة أو العمل التطوعي فدعمك يمنحها شعورا بأن لحياتها هدفا وأنها قادرة على ترك بصمة إيجابية.

إن تمكين الفتاة ليس مجرد شعارات ترفع في المناسبات بل هو ممارسة يومية تبدأ من الأسرة فالبيت الذي يمنح ابنته الثقة والاحترام يقدم للمجتمع امرأة مبدعة وقائدة وكل أب وأم يمتلكان القدرة على أن يكونا صناع تغيير حقيقيين عبر إدراكهما أن تربية فتاة واعية وقوية هو استثمار مباشر في مستقبل الوطن بأسره.