
كشفت دراسات طبية عن وجود صلة وثيقة بين قصور الغدة الدرقية وهي حالة يعجز فيها الجسم عن إنتاج كميات كافية من هرموناته الحيوية وبين زيادة مخاطر الإصابة بفقر الدم المعروف بالأنيميا والذي يتسم بتراجع أعداد كريات الدم الحمراء الصحية في الجسم عن مستوياتها الطبيعية.
يعود هذا الارتباط الذي لاحظه الأطباء على مدى أكثر من قرن إلى الدور الأساسي الذي تؤديه هرمونات الغدة الدرقية في تنظيم عمليات الأيض الحيوية بما في ذلك تحفيز نخاع العظم لإنتاج كريات الدم الحمراء بكفاءة وعندما ينخفض مستوى هذه الهرمونات يتباطأ إنتاج هذه الخلايا الحيوية مما يؤدي مباشرة إلى ظهور أعراض الأنيميا.
لا يقتصر تأثير خمول الغدة الدرقية على الإنتاج المباشر للكريات الحمراء بل يمتد ليشمل عوامل أخرى تزيد من تفاقم المشكلة ففي كثير من الحالات يكون قصور الغدة الدرقية ناجما عن مرض مناعي ذاتي مثل التهاب هاشيموتو وهو ما يجعل المرضى أكثر عرضة للإصابة بأمراض مناعية أخرى كمرض السيلياك أو فقر الدم الخبيث وهاتان الحالتان تؤديان إلى سوء امتصاص العناصر الغذائية الأساسية مثل فيتامين ب12 والحديد مما يسبب أنواعا محددة من الأنيميا.
بالنسبة للنساء يمكن أن يتسبب خمول الغدة الدرقية في حدوث اضطرابات في الدورة الشهرية تتمثل في غزارة الطمث أو استمراره لفترات أطول من المعتاد ويؤدي هذا النزيف الزائد إلى فقدان كميات كبيرة من الحديد بمرور الوقت مما يمهد الطريق للإصابة بفقر الدم الناجم عن نقص الحديد ويرجع الخبراء هذا الخلل إلى سببين رئيسيين أولهما تأثير قصور الغدة على التوازن الهرموني ومنع إنتاج هرمون البروجسترون بشكل كاف وثانيهما إضعاف قدرة الجسم على تكوين الجلطات الدموية لوقف النزيف بفعالية.
وقد أوضحت الأبحاث أن العلاقة بين الحالتين لا تقتصر على الحالات الواضحة من قصور الغدة الدرقية المصحوبة بأعراض شديدة بل تمتد لتشمل أيضا الحالات المعروفة بالخمول تحت السريري حيث يكون الانخفاض في مستوى الهرمونات طفيفا وقد لا تظهر على المريض أعراض ملحوظة ورغم ذلك يظل خطر الإصابة بالأنيميا قائما مما يؤكد على أهمية الفحص الدوري.
على الرغم من أن المسار الأكثر شيوعا هو أن قصور الغدة الدرقية يسبب فقر الدم إلا أن بعض الدراسات النادرة أشارت إلى إمكانية حدوث العكس حيث يمكن أن يؤدي فقر الدم الشديد الناتج عن نقص الحديد إلى إضعاف وظيفة الغدة الدرقية فمعدن الحديد يدخل في تركيب أحد الإنزيمات الضرورية لإنتاج هرمون الغدة الدرقية وبالتالي فإن النقص الحاد فيه قد يعرقل هذه العملية.
تعتمد استراتيجيات العلاج بشكل أساسي على معالجة السبب الجذري للمشكلة ففي حالات الأنيميا المرتبطة بقصور الغدة الدرقية يركز الأطباء على وصف أدوية تعويضية لهرمون الغدة الدرقية وغالبا ما يساعد ضبط مستويات هذا الهرمون في تحسين حالة فقر الدم بشكل كبير وإذا كشفت الفحوصات عن وجود نقص في عناصر غذائية معينة كالحديد يوصي الطبيب بتناول مكملات غذائية لتعويض هذا النقص مع ضرورة التنبيه على المرضى بوجوب الفصل بين جرعة دواء الغدة وجرعة مكمل الحديد بفترة زمنية لا تقل عن أربع ساعات لأن الحديد قد يتداخل مع امتصاص الدواء ويقلل من فاعليته.