
وسط الضغوط اليومية المتزايدة بين متطلبات العمل والدراسة والمسؤوليات الأسرية أصبح بناء روتين صباحي نفسي ضرورة لاستعادة التوازن الذهني والصفاء الداخلي قبل الانخراط في صخب اليوم حيث تمثل الساعات الأولى من الصباح مفتاحا أساسيا لتحديد مستوى التركيز والمزاج والطاقة النفسية التي ترافقنا حتى المساء.
ترى خبيرة التنمية البشرية ومدربة الحياة شيرين محمود أن تخصيص وقت يتراوح بين ثلاثين وخمس وأربعين دقيقة كل صباح قبل الانشغال بالمهام اليومية هو استثمار مباشر في الصحة النفسية والإنتاجية حيث يمثل هذا الروتين عهدا ذاتيا لبدء اليوم بهدوء ووعي أكبر ولا يعتمد هذا النظام على العادات الجسدية فقط بل يمتد ليشمل ممارسات نفسية وروحية تعيد السكينة للعقل.
تعد طريقة الاستيقاظ ذاتها الخطوة الأولى في أي روتين نفسي ناجح فبدلا من النهوض السريع على صوت المنبه المزعج ينصح بالاستيقاظ التدريجي مع أخذ بضع دقائق للتنفس العميق وتمديد الجسم فهذه اللحظات تمنح الدماغ فرصة للانتقال السلس من النوم إلى اليقظة وتقلل التوتر الناتج عن الاستيقاظ المفاجئ كما أن فتح الستائر للسماح بدخول الضوء الطبيعي يساهم في ضبط الساعة البيولوجية للجسم وتحفيز إفراز هرمون السيروتونين المسؤول عن تحسين المزاج.
من أكبر الأخطاء التي تفسد صفاء الذهن صباحا هو الإمساك بالهاتف فور الاستيقاظ حيث إن التنقل بين الإشعارات والأخبار يرهق العقل ويضعه في حالة استجابة سلبية قبل أن يبدأ اليوم لذلك من الضروري تأجيل استخدام الهاتف حتى الانتهاء من الطقوس الصباحية لمنح النفس فرصة لبدء اليوم بطاقة داخلية تنبع من الذات لا من المؤثرات الخارجية.
بعد الاستيقاظ الهادئ تأتي ممارسة الامتنان كتمرين بسيط لمزاج إيجابي وذلك بتدوين ثلاثة أمور تشعر بالامتنان لوجودها في حياتك حتى وإن كانت بسيطة مثل الصحة الجيدة أو فنجان قهوة دافئ وقد أثبتت الدراسات أن هذه الممارسة ترفع مستوى هرمون الدوبامين المسؤول عن السعادة وتقلل الأفكار السلبية التي تستهلك الطاقة الذهنية.
يأتي بعد ذلك وقت التأمل أو الصلاة أو الذكر وهي من أقوى الممارسات التي تهدئ العقل وتمنحه صفاء نفسيا عميقا ويمكن الجلوس في مكان هادئ لمدة عشر دقائق للتركيز على التنفس أو قراءة بعض الأدعية والآيات التي تمنح إحساسا بالأمان الداخلي وتساعد هذه الدقائق على إعادة ضبط المشاعر وتقليل إفراز هرمون التوتر المعروف بالكورتيزول.
العناية بالنفس ليست مجرد خطوة جمالية بل هي رسالة احترام للذات تؤثر بعمق على الحالة النفسية فيمكن بدء اليوم بغسل الوجه بالماء البارد ووضع كريم مرطب ورش عطر خفيف وهذه التفاصيل الصغيرة ترسل إشارة للعقل بالاستعداد ليوم منعش ومتوازن ويمكن تعزيز هذا الشعور بالاستماع إلى موسيقى هادئة أو بودكاست تحفيزي.
قبل الانطلاق إلى مهام اليوم ينصح بتخصيص خمس دقائق لكتابة نية اليوم مثل أن أنجز عملي بهدوء أو أن أتعامل بلطف مع الآخرين فتحديد النية يوجه العقل نحو ما هو إيجابي ويقلل التشتت كما أن كتابة ثلاث مهام أساسية فقط لليوم يساعد على تجنب الإرهاق الذهني الناتج عن قائمة الالتزامات الطويلة.
إن وجبة الإفطار ليست مجرد طعام لملء المعدة بل هي وقود نفسي للعقل والمشاعر ويجب اختيار مكونات متوازنة مثل الشوفان والفواكه الطازجة والمكسرات وتناولها ببطء دون تشتيت الانتباه بالهاتف أو الشاشات وهذا ما يعرف بالأكل الواعي الذي يهدئ الجهاز العصبي ويحسن التركيز كما أن شرب كوب ماء دافئ بالليمون صباحا ينشط الجهاز الهضمي ويصفي الجسم من السموم.
لا يشترط ممارسة تمارين رياضية شاقة في الصباح فيكفي القيام ببعض حركات التمدد أو المشي لبضع دقائق في الهواء الطلق فالحركة تنشط الدورة الدموية وتزيد تدفق الأكسجين إلى الدماغ مما يعزز التركيز ويقلل التوتر وربط هذا النشاط بموسيقى محفزة يمنح دفعة نفسية قوية.
قبل مغادرة المنزل يمكن تخصيص دقيقة للنظر إلى المرآة وترديد عبارات إيجابية مثل أنا أستحق يوما جيدا أو أنا قوية وواثقة من نفسي فهذه الجمل البسيطة تبرمج العقل الباطن على التفاعل بإيجابية مع تحديات اليوم وتعزز الإحساس بالثقة والطمأنينة.
يجب أن يكون الطريق إلى العمل أو الجامعة امتدادا للروتين الصباحي النفسي وليس مجرد وسيلة انتقال ويمكن استغلال هذا الوقت للاستماع إلى بودكاست ملهم أو موسيقى مريحة مع تجنب الأخبار الصاخبة أو التصفح العشوائي الذي يستهلك صفاء الذهن الذي تم بناؤه في الصباح.