
يغفل الكثيرون عن أن تدهور صحة جهازهم المناعي لا يقتصر على الإصابة بالأمراض أو نقص الفيتامينات فحسب بل يتأثر بشكل مباشر بعادات يومية بسيطة ومتكررة تمارس دون وعي والتي تترك الجسم مع مرور الوقت فريسة سهلة للإجهاد والعدوى المستمرة مما يزيد من حساسيته تجاه أبسط المشكلات الصحية.
وفي هذا السياق تشير أخصائية التغذية العلاجية مروة كمال إلى أن جهاز المناعة يعمل كخط دفاع أول يحمي الجسم من هجمات الفيروسات والبكتيريا وأي ضعف يصيبه يجعلنا عرضة للمرض موضحة أن تدهور المناعة لا يحدث بشكل مفاجئ بل هو نتيجة تراكمية لسلوكيات يومية خاطئة وأن صحة الجسم وقوته تعتمد بشكل أساسي على ركائز مثل النوم الجيد والتغذية السليمة وشرب كميات كافية من الماء وممارسة الحركة وتجنب الضغوط النفسية.
إن التوتر والضغط النفسي المستمر لهما تأثير مباشر ومدمر على قوة جهاز المناعة فالعيش في سباق دائم بين متطلبات العمل والمسؤوليات الحياتية يؤدي إلى إفراز هرمون الكورتيزول الذي يثبط استجابة الخلايا المناعية ويقلل من قدرتها على إنتاج الأجسام المضادة ومع مرور الوقت تتجسد آثار هذا التوتر في صورة صداع متكرر وشعور دائم بالإرهاق وزيادة معدل الإصابة بنزلات البرد لذا فإن ممارسات مثل التأمل والتنفس العميق أو حتى المشي في الهواء الطلق تعتبر ضرورة وقائية وليست مجرد رفاهية.
ويأتي الإفراط في استهلاك السكر الأبيض والأطعمة المصنعة كأحد أبرز العوامل التي تضعف المناعة بصمت حيث أثبتت الدراسات أن تناول كميات كبيرة من السكر يمكن أن يقلل من كفاءة خلايا الدم البيضاء في القضاء على الجراثيم بنسبة كبيرة تستمر لساعات كذلك تحتوي الوجبات السريعة والمشروبات الغازية على مواد حافظة ودهون مهدرجة تزيد من حالة الالتهاب الداخلي في الجسم وتضعف قدرته على الدفاع عن نفسه ويوصي الخبراء بالاعتماد على الفواكه الطازجة والأطعمة الكاملة الغنية بالألياف ومضادات الأكسدة.
كما أن أسلوب الحياة الخامل والجلوس لساعات طويلة أمام الشاشات يضعف الدورة الدموية ويقلل من نشاط الخلايا المناعية فالحركة والنشاط البدني المنتظم حتى لو كان بسيطا مثل المشي السريع يحفز إنتاج خلايا الدم البيضاء ويعزز قدرتها على رصد ومهاجمة مسببات الأمراض لذا من الضروري كسر روتين الجلوس بالحركة لبضع دقائق كل ساعة.
ويعد النوم العميق والمنتظم حجر الزاوية في دعم الجهاز المناعي فعندما يحصل الجسم على كفايته من النوم والتي تتراوح بين سبع وثماني ساعات يوميا فإنه ينتج بروتينات حيوية تعرف باسم السيتوكينات وهي ضرورية لمكافحة الالتهابات والعدوى إلا أن الحياة العصرية دفعت الكثيرين إلى السهر لساعات متأخرة مما يحدث خللا في هذه العملية ويجعل الجسم أكثر استعدادا للإصابة بالعدوى.
ويلعب الماء دورا محوريا يتجاوز مجرد ترطيب الجسم فهو ضروري لعمل الجهاز المناعي بكفاءة حيث إن قلة شرب الماء تبطئ من عملية طرد السموم مما يضع عبئا إضافيا على الكبد والكلى كما يؤدي الجفاف إلى جفاف الأغشية المخاطية في الأنف والحلق وهي الحواجز الطبيعية الأولى ضد الفيروسات مما يسهل اختراقها وينصح الأطباء بشرب ما لا يقل عن ثمانية أكواب من الماء يوميا.
إن تجاهل تناول الخضروات والفواكه والاعتماد على وجبات غير متوازنة يؤدي حتما إلى نقص في المعادن والفيتامينات الأساسية التي تمثل وقود جهاز المناعة مثل الزنك والحديد وفيتامين سي وفيتامين دال وغياب هذه العناصر يجعل الجسم عاجزا عن تكوين دفاعات قوية لذلك يعد الحرص على تناول طبق سلطة غني بالألوان وفواكه موسمية متنوعة أمرا ضروريا للحفاظ على مناعة قوية.
ومن الأخطاء الشائعة إهمال التعرض لأشعة الشمس التي تعتبر المصدر الطبيعي الرئيسي لفيتامين دال الذي ينشط خلايا المناعة بشكل مباشر فقضاء معظم اليوم في أماكن مغلقة يسبب نقصا حادا في هذا الفيتامين الحيوي وينصح بالتعرض للشمس لمدة تتراوح بين 15 و20 دقيقة يوميا في أوقات الصباح الباكر أو قبل الغروب.
يقع الكثيرون في خطأ متناقض يتعلق بالنظافة الشخصية فإما أن يهملوها بقلة غسل اليدين مما يسهل دخول الجراثيم للجسم وإما أن يبالغوا في استخدام المعقمات والمطهرات الكيميائية مما يقتل البكتيريا النافعة الضرورية لتوازن الجهاز المناعي والحل يكمن في الاعتدال واستخدام الماء والصابون العادي بشكل منتظم.
كما أن الاستخدام المفرط للمضادات الحيوية دون استشارة طبية يعد من أخطر الممارسات التي تضر بالمناعة على المدى الطويل فهذه الأدوية لا تفرق بين البكتيريا الضارة والنافعة الموجودة في الأمعاء والتي تلعب دورا مهما في امتصاص العناصر الغذائية ودعم المناعة الطبيعية.
وأخيرا فإن إهمال الصحة العاطفية والاجتماعية يضعف المناعة فالشعور بالوحدة والعزلة يرفع مستويات التوتر ويؤثر سلبا على صحة الجسم بينما تساهم العلاقات الإيجابية والضحك وقضاء وقت ممتع مع الأصدقاء في تحسين المزاج وتعزيز قدرة الجسم على مقاومة الأمراض بشكل طبيعي.