
أصبحت ظاهرة التدخين الإلكتروني واقعا واسع الانتشار في المجتمعات المختلفة حيث غزت الأسواق كبديل عصري وجذاب للسجائر التقليدية واستقطبت شرائح عمرية متنوعة من المراهقين والشباب إلى الكبار مدفوعة بحملات ترويجية ضخمة صورتها كوسيلة آمنة للمساعدة على الإقلاع عن التدخين وحققت الشركات المصنعة من ورائها أرباحا طائلة.
يثير هذا الانتشار السريع جدلا واسعا حول حقيقة هذه المنتجات وهل هي بالفعل أقل خطورة أم أنها مجرد فخ جديد يخفي وراءه مخاطر صحية لا تقل عن التدخين التقليدي. تعتمد هذه الأجهزة على بطارية لتسخين سائل يتحول إلى بخار يستنشقه المستخدم ورغم غياب عملية احتراق التبغ التي تنتج مواد سامة معروفة إلا أن هذا البخار ليس بريئا كما يعتقد البعض.
تكمن إحدى أكبر المغالطات التي تروج لها الشركات في فكرة أن السجائر الإلكترونية تساعد على الإقلاع عن التدخين. تشير العديد من الدراسات إلى أن نسبة كبيرة من المستخدمين لا يتوقفون عن استهلاك السجائر التقليدية بل ينتهي بهم الأمر إلى استخدام النوعين معا مما يضاعف المخاطر الصحية بدلا من تقليلها ويحول هذه الأجهزة من وسيلة مفترضة للعلاج إلى بوابة نحو إدمان مزدوج.
تحتوي غالبية السوائل المستخدمة في هذه الأجهزة على مادة النيكوتين وهي مادة معروفة بقدرتها العالية على التسبب في الإدمان السريع. هذا يجعل عملية التخلي عن التدخين الإلكتروني صعبة للغاية تماما مثل صعوبة الإقلاع عن السجائر العادية مما يدحض فكرة أنها مجرد مرحلة انتقالية غير ضارة.
تمثل النكهات الجذابة مثل الفواكه والحلويات التي تضاف إلى السوائل الإلكترونية استراتيجية تسويقية خطيرة تستهدف بشكل مباشر فئة الشباب والمراهقين. هذه الجاذبية الشكلية قد تغري جيلا جديدا لم يكن ليفكر في تجربة التدخين التقليدي ليبدأ رحلته مع الإدمان عبر البوابة الإلكترونية مما يخلق مشكلة صحية مستقبلية واسعة النطاق.
تمتد الأضرار الصحية لتشمل تأثيرات بالغة على الرئتين فالمركبات الكيميائية الموجودة في بعض المنكهات تتحول عند تسخينها إلى مواد سامة قد تسبب التهابات رئوية حادة ومشاكل تنفسية مزمنة. وقد تم رصد حالات مرضية خطيرة مرتبطة مباشرة باستخدام هذه السجائر تعرف باسم إصابة الرئة المرتبطة بالتدخين الإلكتروني أو EVALI.
لا يقتصر الخطر على الجهاز التنفسي فقط فالنيكوتين الموجود بتركيزات عالية في السائل الإلكتروني يؤثر سلبا على القلب والأوعية الدموية حيث يتسبب في رفع ضغط الدم وزيادة معدل ضربات القلب وهو ما يزيد بشكل كبير من احتمالية الإصابة بالأزمات القلبية والجلطات الدماغية على المدى الطويل.
يعتبر تأثير التدخين الإلكتروني على المراهقين والشباب أكثر خطورة نظرا لأن أدمغتهم لا تزال في مرحلة النمو. يمكن للنيكوتين أن يلحق ضررا دائما بالمناطق الدماغية المسؤولة عن التركيز والتعلم والتحكم في الانفعالات مما يؤثر على مستقبلهم الأكاديمي والمهني.
ما يزيد من قلق الأطباء والباحثين هو أن التدخين الإلكتروني ظاهرة حديثة نسبيا وبالتالي فإن جميع أضرارها طويلة المدى لم تكتشف بعد. المخاطر التي نراها اليوم قد تكون مجرد بداية لمشاكل صحية أكثر تعقيدا قد تظهر بعد سنوات من الاستخدام المستمر مما يضع المستخدمين في دائرة من المخاطر غير المعروفة.