
كشفت دراسة علمية حديثة نُشرت في مجلة متخصصة عن وجود ارتباط مقلق بين الشعور بالوحدة خلال مرحلة الطفولة وزيادة احتمالية الإصابة بالخرف والتدهور المعرفي في مراحل لاحقة من العمر. وتشير النتائج إلى أن الآثار السلبية للانعزال لا تختفي ببساطة مع مرور الزمن حتى لو أصبح الشخص اجتماعيا في الكبر.
يفسر الباحثون هذه العلاقة بأن الوحدة المزمنة تحفز إفراز هرمونات التوتر بمستويات مرتفعة وعلى رأسها الكورتيزول. هذا الإفراز المستمر يؤدي إلى تنشيط الجهاز العصبي بشكل مفرط مما قد يلحق ضررا بمناطق حيوية في الدماغ مثل منطقة الحصين التي تلعب دورا محوريا في تكوين الذاكرة والحفاظ عليها.
ولا يقتصر التأثير السلبي للتوتر المزمن على الدماغ فقط بل يمتد ليشمل الجهاز المناعي للجسم. فالضغط النفسي الطويل يضعف الدفاعات الطبيعية مما يجعل الجسم أكثر عرضة للأمراض ويزيد من مخاطر التدهور المعرفي وظهور الخرف مع التقدم في السن.
على الصعيد النفسي قد يطور الأطفال الذين يعانون من العزلة آليات تأقلم غير صحية. فهم قد يلجؤون إلى الانسحاب الاجتماعي بشكل أكبر ويتوقعون مسبقا أن يتم تجاهلهم أو نبذهم من قبل أقرانهم مما يخلق حلقة مفرغة تعزز من شعورهم بالوحدة.
إن مرحلة الطفولة التي يُنظر إليها عادة كوقت للعب والتفاعل الاجتماعي قد تكون فترة معاناة لبعض الأطفال الذين يجدون صعوبة في تكوين الصداقات. هذه التجربة لا تقتصر على مشاهد مؤقتة مثل تناول الطعام وحيدا أو عدم المشاركة في الأنشطة الجماعية بل تترك ندوبا صحية عميقة وطويلة الأمد.
وتكمن خطورة المشكلة في أن غياب الصداقات القوية أو الشعور بالنبذ في الصغر يمكن أن يؤدي مباشرة إلى صعوبات في الذاكرة والقدرات الإدراكية مستقبلا. ولهذا السبب شدد الباحثون على الأهمية القصوى للتدخل المبكر لمعالجة مشاعر الوحدة لدى الأطفال واعتبارها خطوة أساسية للحفاظ على صحة الدماغ على المدى الطويل.
إن مرحلة الطفولة ليست مجرد فترة للعب والمرح بل هي مرحلة تأسيسية للصحة العقلية والجسدية. فالتجارب التي يمر بها الطفل حتى لو بدت بسيطة تترك بصمات عميقة ودائمة تؤثر على صحته وعافيته طوال حياته.