
مع اقتراب موعد بدء العام الدراسي الجديد تنشغل الأسر وخاصة الأمهات في سلسلة من الاستعدادات المكثفة التي تشمل شراء اللوازم المدرسية والملابس الجديدة وتهيئة الأبناء نفسيا للعودة إلى مقاعد الدراسة. ويبرز من بين هذه التجهيزات تحد رئيسي يتمثل في إعادة تنظيم مواعيد نوم الأطفال لضمان استيقاظهم مبكرا بنشاط وحيوية لمواجهة متطلبات اليوم الدراسي.
توضح الدكتورة ولاء يحيى استشارى علم النفس والأسرة أن النوم المبكر ليس مجرد عادة تنظيمية بل هو ركن أساسي لصحة الطفل ونموه المتكامل. فالنوم العميق والكافي يؤثر بشكل مباشر وإيجابي على النمو الجسدي والعقلي والعاطفي للأطفال حيث يعزز قدرة الدماغ على تحسين الذاكرة وزيادة التركيز. كما يلعب دورا حيويا في دعم جهاز المناعة ويرفع مستويات الطاقة في الصباح مما يحسن المزاج العام وينعكس بشكل مباشر على الأداء والتحصيل الدراسي للطفل.
ولتحقيق هذا الانتقال السلس نحو روتين نوم صحي يُنصح بالبدء في ضبط مواعيد النوم بشكل تدريجي قبل انطلاق الدراسة بأسبوعين على الأقل. ويمكن تحقيق ذلك عبر تقديم موعد النوم كل يوم بمقدار ربع ساعة إلى نصف ساعة حتى الوصول إلى التوقيت المثالي مع ضرورة تثبيت موعد الاستيقاظ أيضا لمساعدة الساعة البيولوجية للطفل على التكيف.
إن تهيئة بيئة مناسبة للنوم تعد عاملا حاسما في نجاح هذه المهمة. يجب أن تكون غرفة الطفل مظلمة أو ذات إضاءة خافتة جدا مع الحفاظ على درجة حرارة معتدلة ومريحة تتراوح بين عشرين وأربع وعشرين درجة مئوية. ومن الضروري التأكد من أن الفراش نظيف والوسادة مريحة ويفضل أن تكون الأغطية مصنوعة من أقمشة قطنية ناعمة.
يجب إيقاف استخدام جميع الأجهزة الإلكترونية كالهواتف والأجهزة اللوحية والتلفاز قبل ساعة كاملة من موعد النوم على الأقل. فالضوء الأزرق المنبعث من هذه الشاشات يعطل إنتاج هرمون الميلاتونين الذي يعتبر الهرمون المسؤول عن الشعور بالنعاس وبدء عملية النوم.
لتحفيز الطفل على الاسترخاء يمكن تخصيص نصف ساعة قبل النوم لممارسة أنشطة هادئة مثل قراءة قصة أو إجراء حديث هادئ معه حول يومه. وفي المقابل يجب تجنب أي نشاط يسبب الحماس الزائد أو اللعب الصاخب والقفز. كما أن الاستحمام بماء دافئ يساعد الجسم على الاسترخاء والاستعداد للنوم.
يلعب النظام الغذائي دورا مهما أيضا في جودة النوم. ينبغي تجنب تقديم وجبات دسمة أو غنية بالسكريات قبل النوم مباشرة وبدلا من ذلك يمكن تقديم عشاء خفيف وصحي مثل كوب من الزبادي مع الفاكهة. ومن المهم تقليل المشروبات التي تحتوي على الكافيين مثل الشاي والكاكاو المركز.
يساهم النشاط البدني في تحسين جودة النوم بشكل كبير لذا يُنصح بتشجيع الأطفال على ممارسة الرياضة أو اللعب في الهواء الطلق خلال فترة العصر بعد العودة من المدرسة. هذا النشاط يساعد على تفريغ الطاقة المتراكمة ولكن يجب تجنب التمارين الرياضية القوية والمجهدة قبيل موعد النوم مباشرة.
إن الحالة النفسية للطفل قبل النوم تؤثر على سرعة استغراقه فيه لذلك يجب تجنب أي نقاشات حادة أو توجيه العقاب له في هذا الوقت. من الأفضل التحدث معه بلطف وتشجيعه على مشاركة ما يدور في ذهنه من مشاعر ليخلد إلى فراشه وهو يشعر بالطمأنينة والأمان.
يعتبر الآباء قدوة لأبنائهم فالالتزام بمواعيد نوم منتظمة من قبل الوالدين يشجع الأطفال على تقليد هذا السلوك الصحي. فجعل الوقت الليلي فترة للاسترخاء العائلي بعيدا عن ضجيج الشاشات والأجهزة يخلق جوا أسريا هادئا ومساعدا على النوم.
في حال واجه الطفل صعوبة في النوم لا يجب اللجوء إلى الأجهزة الإلكترونية كحل لإلهائه بل يمكن محاولة تهدئته عبر قراءة قصة قصيرة إضافية أو تشغيل موسيقى هادئة. كما يمكن تعليمه تقنيات التنفس العميق أو تذكيره بأحداث سعيدة ليشعر بالسكينة. وإذا استمرت المشكلة لفترة طويلة أو ظهرت أعراض مقلقة كالكوابيس المتكررة أو القلق الشديد فمن الضروري استشارة طبيب مختص.
إن فوائد التعود على النوم المبكر تمتد لتشمل جوانب متعددة منها تحسين الأداء الدراسي بفضل تعزيز الذاكرة والانتباه وتقوية جهاز المناعة حيث يقوم الجسم بإصلاح خلاياه أثناء النوم مما يقلل من فرص الإصابة بالأمراض. بالإضافة إلى ذلك يساعد النوم الكافي في التحكم بالوزن لأن قلته ترتبط بزيادة الشهية وتراكم الدهون كما أنه يقلل من مستويات العصبية والتوتر لدى الطفل.