
في ظاهرة طبية نادرة تتحدى المفاهيم الشائعة حول حماية المشيمة للجنين كشفت أبحاث علمية موثقة عن إمكانية انتقال مرض السرطان من الأم الحامل إلى طفلها. وعلى الرغم من أن هذه الحالات استثنائية للغاية إلا أنها توفر للعلماء رؤى فريدة حول بيولوجيا الأورام والعلاقة المعقدة بين الأم والجنين.
تنتقل الخلايا السرطانية إلى الجنين عبر مسارين رئيسيين. يتمثل الأول في قدرة بعض الخلايا الخبيثة على اختراق حاجز المشيمة الذي يفترض أن يكون حصنا منيعا لتصل مباشرة إلى الجنين. أما المسار الثاني فيحدث أثناء عملية الولادة الطبيعية خاصة في حالات سرطان عنق الرحم حيث قد يستنشق المولود خلايا سرطانية موجودة في قناة الولادة لتستقر لاحقا في رئتيه.
وثقت السجلات الطبية أنواعا محددة من السرطانات التي تم رصد انتقالها من الأمهات إلى أطفالهن. وتشمل هذه القائمة سرطان الجلد المعروف بالميلانوما وسرطان الدم اللوكيميا بالإضافة إلى سرطانات عنق الرحم والثدي والرئة. ولوحظ أن سرطان الجلد وسرطان الدم يمتلكان تحديدا قدرة أعلى على الانتشار واجتياز المشيمة مقارنة بغيرهما من الأورام.
يتم تأكيد هذه الحالات النادرة بشكل قاطع من خلال الفحوصات الجينية المتقدمة التي تظهر تطابقا وراثيا كاملا بين خلايا الورم لدى الطفل وخلايا الورم الأصلي لدى الأم. ونظرا لندرة هذه الظاهرة التي تقدر بحالة واحدة تقريبا لكل نصف مليون حمل لا توجد بروتوكولات فحص روتينية للكشف عنها أثناء الحمل وعادة ما يتم التشخيص فقط بعد الولادة عند ظهور أعراض المرض على الرضيع.
في ضوء هذه الندرة الشديدة لا يوجد إجماع طبي على بروتوكولات علاجية أو وقائية محددة. ومع ذلك يقترح بعض الخبراء أن الولادة القيصرية قد تكون إجراء احترازيا لتقليل مخاطر انتقال بعض أنواع السرطان التي تتركز في قناة الولادة مثل سرطان عنق الرحم مما يمنع تعرض الطفل للخلايا السرطانية أثناء المرور بها.
يرى الباحثون أن تحليل هذه الحالات الفردية يوفر كنزا من المعلومات لفهم بيولوجيا السرطان بشكل أعمق. فهي تسلط الضوء على آليات المناعة الطبيعية وكيفية عمل حاجز المشيمة. ويتوقع الخبراء أنه مع التقدم المستمر في تقنيات التشخيص الجزيئي قد يتم الكشف عن المزيد من هذه الحالات مستقبلا مما يمهد الطريق لتطوير استراتيجيات أفضل لحماية الأم وجنينها معا.