يكشف خبراء في الصحة النفسية عن وجود ارتباط عميق ومعقد بين الخوف الشديد من زيارة عيادة الأسنان والذي يُعرف برهاب الأسنان والتجارب الصعبة أو الصادمة التي يمر بها الأفراد خلال مرحلة الطفولة. هذا الارتباط لا يقتصر فقط على التجارب السيئة داخل العيادة بل يمتد ليشمل صدمات أوسع نطاقًا تؤثر على شعور الشخص بالأمان والثقة.
تتجاوز جذور رهاب طبيب الأسنان مجرد الخوف من الألم أو الإبر لتصل إلى تجارب قديمة محفورة في اللاوعي. وضعية الاستلقاء على كرسي طبيب الأسنان وفم المريض مفتوح على مصراعيه بينما يقف الطبيب فوقه ممسكا بأدوات حادة تخلق شعورا عميقا بفقدان السيطرة والضعف. هذه الحالة قد تعيد إلى الأذهان بشكل لا واعٍ مواقف سابقة شعر فيها الشخص بالعجز التام خاصة خلال طفولته عندما كان تحت رحمة شخص بالغ.
إن التجارب المؤلمة التي لا علاقة لها بطب الأسنان بشكل مباشر تلعب دورا محوريا في تشكيل هذا الرهاب. فالأطفال الذين تعرضوا لأي شكل من أشكال الإيذاء أو الإهمال يطورون حالة من اليقظة المفرطة تجاه أي تهديد محتمل. بالنسبة لهؤلاء يمكن أن يُنظر إلى عيادة الأسنان على أنها بيئة غير آمنة حيث يتم التعدي على مساحتهم الشخصية ويتم إجبارهم على الخضوع لإجراءات قد تكون غير مريحة أو مؤلمة.
توضح دراسات متخصصة أن الذاكرة لا تخزن الصدمة كقصة متكاملة بل كمشاعر وأحاسيس جسدية مجزأة. لذلك فإن صوت المثقاب أو رائحة المواد الطبية أو حتى ملمس القفازات المطاطية يمكن أن يصبح محفزا قويا يستدعي مشاعر الخوف والرعب المرتبطة بالصدمة الأصلية دون أن يدرك الشخص سبب هذا الانفعال الشديد.
يعتبر فقدان الثقة عنصرا أساسيا في هذه العلاقة المعقدة. الأطفال الذين تعرضوا لخيانة الثقة من قبل أشخاص بالغين كانوا مسؤولين عن حمايتهم يجدون صعوبة بالغة في تسليم زمام الأمور لشخص غريب حتى لو كان متخصصا يسعى لمساعدتهم. إن فعل الوثوق بطبيب الأسنان للسماح له بالعمل داخل الفم وهو منطقة حساسة وشخصية للغاية يصبح تحديا نفسيا كبيرا.
بالطبع تظل التجارب السيئة المباشرة مع أطباء الأسنان في الصغر سببا رئيسيا وواضحا لهذا الرهاب. زيارة مؤلمة لم يتم التعامل معها بتعاطف أو إجراء تم دون شرح كافٍ أو الشعور بأن الطبيب لم يصدق شكوى الطفل من الألم كلها مواقف تترك ندوبا نفسية عميقة وتؤسس لخوف يمتد مدى الحياة من أي شيء يتعلق بصحة الفم والأسنان.
يترتب على هذا الرهاب الشديد عواقب وخيمة تتجاوز مجرد القلق النفسي. فالأشخاص الذين يعانون منه يتجنبون زيارة الطبيب بشكل قاطع مما يؤدي إلى تدهور حاد في صحة الفم والأسنان. هذا الإهمال القسري يقود إلى مشاكل مثل التسوس الشديد وأمراض اللثة وفقدان الأسنان مما يؤثر سلبا على المظهر الخارجي والثقة بالنفس والقدرة على تناول الطعام بشكل طبيعي والصحة العامة للجسم.
بدأ مجتمع طب الأسنان الحديث في إدراك هذه الأبعاد النفسية والتوجه نحو ما يعرف بـ “الرعاية المطلعة على الصدمات”. يعتمد هذا النهج على خلق بيئة آمنة ومريحة للمريض تقوم على التواصل الواضح والشفافية. يقوم الطبيب بشرح كل خطوة بالتفصيل ويمنح المريض السيطرة الكاملة على الإجراء من خلال الاتفاق على إشارة يد يمكنه استخدامها لإيقاف العمل في أي لحظة يشعر فيها بعدم الارتياح.