
مع بداية كل عام دراسي يتجدد التحدي اليومي الذي يواجه العديد من الأسر حيث يتحول وقت أداء الواجبات المدرسية إلى مصدر للتوتر والضغط النفسي بدلا من أن يكون فرصة للتعلم واكتساب المعرفة. وتجد أمهات كثيرات أنفسهن في مواجهة مستمرة مع أبنائهن لإقناعهم بالجلوس للمذاكرة مما يحول المنزل إلى ساحة للصراع والانفعالات.
أكدت الدكتورة عبلة ابراهيم أستاذ التربية ومستشارة العلاقات الأسرية أن إدارة هذه اللحظات اليومية لا يجب أن تكون معركة بين الأم والطفل بل يمكن بالهدوء والوعي تحويلها إلى فرصة لتوثيق العلاقة بينهما. وأوضحت أن الطفل يحتاج إلى بيئة تشجيعية وآمنة أكثر من حاجته إلى الأوامر الصارمة وأن الأم يمكنها أن تلعب دور الشريك في رحلة التعلم لا الخصم.
من الضروري أولا فهم نفسية الطفل ومشاعره فرفضه للمذاكرة لا يعني بالضرورة أنه مهمل أو كسول بل قد تكون هناك أسباب أعمق مثل الشعور بالإرهاق أو الضغط أو عدم اهتمامه بالمادة الدراسية. الحل يبدأ من الحوار الهادئ والاستماع إلى الطفل لمعرفة ما يكمن وراء مقاومته فقد تكون المشكلة في طريقة الشرح أو في تراكم المهام عليه.
كما يلعب الجانب العاطفي دورا محوريا فالطفل الذي يشعر بالدعم والأمان من أسرته يكون أكثر استعدادا للتعاون. لذا يجب على الأم أن تمنح ابنها اهتماما عاطفيا كافيا من خلال الاحتواء والتشجيع وتخصيص وقت للمرح بعيدا عن الدراسة لأن هذا الرابط العاطفي يقلل من حدة التوتر ويبني الثقة المتبادلة بينهما.
يعد تنظيم المهام وتقسيم الوقت من أكثر الطرق فعالية لتقليل الضغط فبدلا من إجبار الطفل على المذاكرة لساعات متواصلة يمكن تقسيم الوقت إلى فترات قصيرة لا تتجاوز 25 دقيقة تليها استراحة قصيرة. هذا الأسلوب المعروف بتقنية البومودورو يساعد على تجديد التركيز ويمنع الشعور بالملل والإرهاق كما أن وضع جدول يومي واضح للواجبات يمنح الطفل إحساسا بالسيطرة ويجعل عملية المذاكرة أكثر تنظيما.
إن خلق بيئة مريحة للدراسة أمر لا يقل أهمية عن تنظيم الوقت فيجب توفير مكان هادئ ومناسب بعيد عن المشتتات مثل التلفاز والأجهزة الإلكترونية مع إضاءة جيدة ومقعد مريح. الأجواء الإيجابية المصاحبة للمذاكرة مثل الابتسامة والكلمات المشجعة تساهم في تحويل الدراسة من واجب ثقيل إلى نشاط محتمل.
يمكن للأم أن تجعل وقت المذاكرة أكثر متعة من خلال ابتكار أساليب تعليمية جديدة كاستخدام الألوان والرسومات لتلخيص المعلومات أو تحويل المراجعة إلى لعبة ألغاز وأسئلة سريعة. كذلك يمكن الاستعانة بمقاطع الفيديو التعليمية التي تشرح الدروس بطريقة جذابة أو استخدام التمثيل والقصص في المواد الأدبية والتاريخية لجعل الطفل أكثر تفاعلا.
ومن الأخطاء الشائعة محاولة السيطرة الكاملة على مذاكرة الطفل والأفضل من ذلك هو تشجيع استقلاليته وتحمله للمسؤولية. يمكن للأم أن تمنح ابنها مساحة لاختيار ترتيب المواد التي سيدرسها أو تشجيعه على وضع خطته اليومية بنفسه فهذا الإحساس بالاستقلالية يعزز ثقته بنفسه ويقلل من مقاومته للدراسة.
يجب أن يكون التحفيز هو الأسلوب المتبع بدلا من العقاب فالتوبيخ المستمر لا يؤدي إلا إلى زيادة العناد والنفور. في المقابل فإن التشجيع والمكافآت البسيطة سواء كانت معنوية ككلمات الثناء أو مادية كوقت إضافي للعب تعزز الدافعية لدى الطفل وتزرع فيه شعورا بالإنجاز.
من المهم أيضا تقليل الضغط الأكاديمي غير الضروري الذي يفرضه بعض الآباء على أبنائهم بتوقعات عالية تفوق قدراتهم. يجب إدراك أن لكل طفل قدراته الخاصة وأن الهدف من التعليم هو اكتساب المهارات وحب التعلم وليس فقط تحقيق درجات مرتفعة فالتوازن بين تشجيع الطفل على الاجتهاد وتقبل قدراته أمر ضروري.
في بعض الحالات قد تواجه الأم صعوبات حقيقية تتجاوز قدرتها على التعامل معها بمفردها مثل معاناة الطفل من صعوبات تعلم أو مشكلات في التركيز. في هذه الحالة يصبح من الضروري طلب الدعم من مختص نفسي أو تربوي لتقديم المساعدة المناسبة فالاعتراف بوجود مشكلة وطلب المساعدة هو خطوة نحو الحل.