استهلاك القهوة في السعودية: أرقام قياسية تضع المملكة ضمن أكبر 10 دول عالمياً

استهلاك القهوة في السعودية: أرقام قياسية تضع المملكة ضمن أكبر 10 دول عالمياً
استهلاك القهوة في السعودية: أرقام قياسية تضع المملكة ضمن أكبر 10 دول عالمياً

تتحول القهوة في المملكة العربية السعودية من مجرد مشروب تقليدي إلى محرك اقتصادي وثقافي هائل إذ تضخ استثماراتها المليارات في الاقتصاد الوطني وتوفر آلاف الفرص الوظيفية للشباب. ويعكس هذا التحول مكانة المملكة كواحدة من أكثر عشر دول استهلاكا للقهوة على مستوى العالم حيث تمتزج أصالة التقاليد مع حداثة أنماط الحياة العصرية.

تؤكد الأرقام الضخمة حجم هذه الصناعة إذ ينفق السعوديون ما يزيد على مليار ريال سنويا على القهوة ويصل حجم الاستهلاك المحلي إلى ما يقارب 80 ألف طن سنويا وهو ما يعادل استهلاك أكثر من 36 مليون فنجان بشكل يومي. هذا الشغف الكبير بالقهوة لم يعد يقتصر على المجالس التقليدية بل امتد ليصبح ظاهرة اجتماعية واقتصادية واضحة في كل مدن المملكة.

ويعد الانتشار الهائل للمقاهي أبرز دليل على نمو هذا القطاع حيث وصل عددها في المملكة إلى حوالي 61 ألف مقهى بحلول منتصف العام 2025. وتستحوذ العاصمة الرياض على النصيب الأكبر بنحو 15 ألف مقهى وتليها مدينة جدة بعشرة آلاف مقهى ثم الدمام بحوالي خمسة آلاف مقهى بينما تتوزع بقية المقاهي على مختلف المناطق السعودية لتتحول القهوة من عادة منزلية إلى صناعة متكاملة ترسم ملامح الحياة اليومية.

وعلى الصعيد العالمي يشهد قطاع القهوة نموا متسارعا حيث قدرت إيراداته بنحو 269 مليار دولار خلال عام 2024 وتتوقع تقارير بحثية متخصصة أن حجم السوق قد بلغ 223 مليار دولار في العام السابق مع توقعات بنموه بشكل مستمر خلال السنوات القادمة ما يجعل القهوة سلعة زراعية عالمية لا يسبقها في حجم التداول سوى النفط.

ورغم هذا النمو الكبير في الاستهلاك المحلي إلا أن المملكة لا تزال تعتمد بشكل كبير على الاستيراد لتلبية الطلب المتزايد حيث تستورد سنويا ما يتراوح بين 60 و100 ألف طن من البن بقيمة تتجاوز 300 مليون دولار. وقد وصلت واردات المملكة من البن خلال عام 2023 وحده إلى ما بين 70 و96 ألف طن وهو ما يؤكد وجود فجوة كبيرة بين الإنتاج المحلي والطلب الاستهلاكي.

ولسد هذه الفجوة تتجه الأنظار نحو مرتفعات جازان الشاهقة حيث ينمو البن الخولاني السعودي الأصيل على مدرجات زراعية خضراء يصل ارتفاعها إلى 2000 متر. ويعد هذا النوع من البن إرثا ثقافيا وتاريخيا يمتد لمئات السنين ويبلغ حجم الإنتاج المحلي منه حاليا ما بين 800 إلى 1000 طن سنويا. وتهدف مبادرة استدامة القهوة السعودية 2030 إلى زيادة هذا الإنتاج ليصل إلى 2500 طن عبر زراعة أكثر من مليون ومئتي ألف شجرة بن.

إن صناعة القهوة في السعودية ليست مجرد أرقام اقتصادية بل هي أيضا مولد رئيسي لفرص العمل. فنمو هذا القطاع يخلق آلاف الوظائف في مجالات متنوعة تبدأ من الزراعة والحصاد مرورا بالتحميص والتعبئة والتسويق ولا تنتهي بالخدمات اللوجستية والمقاهي المتخصصة التي فتحت أبوابا واسعة أمام الشباب والشابات للعمل كخبراء في تحضير القهوة أو الدخول إلى عالم ريادة الأعمال.

لقرون طويلة شكلت القهوة العربية جزءا لا يتجزأ من الهوية السعودية ورمزا للكرم والضيافة في المجالس ورفيقة للشعراء في أمسياتهم. ولم يكن الفنجان مجرد أداة للشرب بل رمزا للتقدير والاحترام حتى تم إدراجه ضمن قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي مما يؤكد عمق هذا الإرث الوطني الذي يجمع اليوم بين أصالة الماضي واقتصاد المستقبل الواعد.