
يتجلى الدور المحوري للمملكة العربية السعودية على الساحة الدولية في استضافتها لاجتماع قادة مؤتمر ميونخ للأمن بمدينة العلا التاريخية حيث لم يعد تأثير المملكة مقتصرا على النطاق الجغرافي الإقليمي بل أصبح جزءا لا يتجزأ من المعادلات السياسية والاقتصادية الكبرى التي تشكل ملامح الأمن العالمي المعاصر.
تعكس الرعاية السعودية لهذه الحوارات الدولية إستراتيجية جديدة تعتمد على تعدد المسارات فهي تفتح قنوات للتفاوض بين القوى الدولية والإقليمية المتنافسة وفي الوقت نفسه تربط مفهوم الأمن العالمي باستقرار أسواق الطاقة التي تعد المملكة ركيزة أساسية فيها كما تتجاوز ذلك لتقديم مبادرات إستراتيجية تعالج قضايا مصيرية مثل التغير المناخي والأمن السيبراني والتحولات التقنية الكبرى.
لم يكن اختيار مدينة العلا محض صدفة بل يحمل رسالة عميقة فاستضافة هذه النقاشات الأمنية في مدينة تضرب بجذورها في عمق التاريخ والإرث الثقافي يعبر عن فلسفة سعودية حديثة تستخدم التاريخ والثقافة كأدوات للقوة الناعمة وتؤكد أن تحقيق الأمن المستدام لا ينفصل أبدا عن الحضارة وأن أي حوار بناء يحتاج إلى أرضية إنسانية مشتركة تجمع الأطراف المختلفة.
يمثل الحضور الدولي رفيع المستوى في اجتماع العلا والذي ضم قرابة مئة شخصية بارزة دليلا واضحا على ثقة المجتمع الدولي المتزايدة بالدور الذي تلعبه السعودية فالمملكة لم تعد مجرد حليف لبعض القوى بل أصبحت ساحة لقاء تجمع حتى المتنافسين وتمتلك القدرة على تحويل المباحثات النظرية إلى مسارات عملية تسهم في إيجاد حلول حقيقية للأزمات بدلا من الاكتفاء بتشخيصها.
يتلاقى هذا التحرك الدبلوماسي بشكل مباشر مع الأهداف الإستراتيجية لرؤية المملكة 2030 حيث يبرز مفهوم الأمن الشامل كإطار عمل أساسي للسياسة الخارجية السعودية وهذا المفهوم يربط بشكل وثيق بين استقرار الدول وتحقيق التنمية المستدامة وضمان أمن إمدادات الطاقة ومواجهة تحديات المناخ ليشكل رؤية متكاملة لدور المملكة كأحد أعمدة التوازن العالمي.