
تشهد منطقة حائل التي تُعرف بأنها أرض الجبال والوديان انطلاقة معمارية جديدة تستلهم تفاصيلها من طبيعة المكان الفريدة حيث تتناغم التصاميم الحديثة مع الهوية المحلية العريقة وتتجسد هذه الرؤية في المشاريع الكبرى والمباني التجارية التي بدأت تكتسي بالطابع المحلي في إطار عصري ومبتكر.
تضرب جذور العمارة في حائل عميقا في التاريخ حيث تكشف الرسوم الصخرية المنتشرة في جبالها عن أنماط حياة الإنسان القديم وتفاعله مع بيئته وفي قلب المدينة تقف قلعة إعيرف شامخة كشاهد صامت على مراحل البناء الطيني والتحصينات الدفاعية التي ميزت المنطقة عبر مئات السنين.
لقد اعتمدت العمارة الحائلية التقليدية على المواد المستخلصة من البيئة المحلية فالطين والحصى والقش شكلوا أساس البناء مما أنتج جدرانا سميكة قادرة على عزل حرارة الصيف القائظ وبرودة الشتاء القارس كما جاءت النوافذ صغيرة الحجم للحفاظ على الخصوصية وتحقيق عزل حراري إضافي ولم تكن هذه العمارة وظيفية فقط بل حملت لمسات جمالية فريدة تمثلت في الزخارف الجصية والأقواس والنقوش الهندسية التي شكلت معا ما يعرف بالطراز الحائلي كجزء أصيل من المدرسة النجدية المعمارية.
في ظل التوسع العمراني السريع الذي تشهده المنطقة برزت الحاجة إلى الموازنة بين متطلبات الحداثة وضرورة الحفاظ على الهوية المعمارية الأصيلة وقد انعكس هذا في التخطيط العمراني للمدينة الذي أخذ في الاعتبار طبيعتها الجبلية ومسارات الأودية والسيول لتكون البنية التحتية امتدادا لروح المكان لا انفصالا عنه.
ولتلبية هذه المتطلبات تطبق الجهود المعمارية الحديثة أنماطا متعددة تتناسب مع مختلف المشاريع فالنمط التقليدي يركز على إحياء هوية الطراز النجدي الحائلي بكل تفاصيله الأصيلة بينما يقدم النمط الانتقالي حلا يمزج بين أصالة الماضي واحتياجات الحاضر في حين يفتح النمط المعاصر الباب واسعا أمام الابتكار والتصميم الحديث دون أن ينفصل عن جذوره البيئية والثقافية.
بذلك أصبحت حائل مختبرا حيا لتطبيق مفاهيم العمارة السعودية المستدامة حيث يتحول التراث من مجرد ماضٍ إلى مصدر إلهام حي ويصبح التاريخ رصيدا حضاريا لتنمية المستقبل وتتحول الهوية المعمارية إلى أحد الأعمدة الرئيسية للتنمية العمرانية وهو ما ينسجم بشكل مباشر مع مستهدفات رؤية 2030 الرامية إلى جعل العمارة جزءا لا يتجزأ من اقتصاد وثقافة المكان.