
تمثل رائحة الجسم غير المرغوب فيها مصدر إحراج وقلق اجتماعي للكثيرين خصوصا خلال أشهر الصيف الحارة أو تحت تأثير الضغوط اليومية المختلفة. ورغم أن هذا الأمر يرتبط في الأذهان مباشرة بقلة الاهتمام بالنظافة الشخصية إلا أن أسبابه قد تكون أعمق من ذلك بكثير وقد تشير أحيانا إلى وجود اضطرابات صحية كامنة.
إن فهم الأسباب الحقيقية وراء هذه المشكلة هو الخطوة الأولى نحو الحل الفعال. فالعرق الذي تفرزه الغدد العرقية في الجسم هو في الأساس سائل عديم الرائحة يتكون من الماء والأملاح. لكن الرائحة المزعجة تبدأ في الظهور عندما يتفاعل هذا العرق مع أنواع مختلفة من البكتيريا التي تعيش بشكل طبيعي على سطح الجلد حيث تقوم هذه الكائنات الدقيقة بتحليل البروتينات والدهون الموجودة في العرق منتجة مركبات كيميائية ذات رائحة نفاذة وتتركز هذه العملية في مناطق مثل الإبطين والفخذين لكونها بيئات دافئة ورطبة ومثالية لتكاثر البكتيريا.
يلعب النظام الغذائي دورا محوريا في تحديد طبيعة رائحة الجسم فالأطعمة التي تحتوي على مركبات الكبريت مثل الثوم والبصل والتوابل كالكاري واللحوم الحمراء يمكن أن تطلق روائح قوية تفرز لاحقا عبر مسام الجلد مع العرق. وللحد من تأثير هذه الأطعمة ينصح الخبراء بزيادة شرب الماء لتخفيف تركيز هذه المركبات في الجسم بالإضافة إلى تناول أطعمة غنية بالكلوروفيل مثل السبانخ والبقدونس والتي تعرف بقدرتها على تنقية الجسم والمساعدة في تحييد الروائح من الداخل.
من جانب آخر قد تكون الرائحة الكريهة عرضا لحالات طبية معينة فمثلا حالة فرط التعرق التي يعاني فيها الشخص من إفراز كميات كبيرة من العرق بشكل غير طبيعي توفر بيئة خصبة لنشاط البكتيريا مما يفاقم المشكلة. كما أن بعض الأمراض المزمنة مثل أمراض الكبد أو الفشل الكلوي أو داء السكري قد تؤدي إلى تغيير في كيمياء الجسم وبالتالي تغيير رائحته المميزة. وهناك أيضا اضطرابات أيضية نادرة مثل متلازمة رائحة السمك التي تجعل رائحة الجسم شبيهة برائحة السمك المتعفن نتيجة عجز الجسم عن تفكيك مركب كيميائي معين.
تتعدد طرق التعامل مع رائحة الجسم وتتدرج من العادات اليومية البسيطة إلى الحلول الطبية المتقدمة. ويأتي على رأس قائمة الحلول الحفاظ على النظافة الشخصية من خلال الاستحمام المنتظم باستخدام صابون مضاد للبكتيريا لتقليل أعدادها على الجلد مع ضرورة تجفيف الجسم تماما بعد الاستحمام لأن الرطوبة تشجع على نمو البكتيريا. ويعد استخدام مزيلات العرق التي تخفي الرائحة ومضادات التعرق التي تقلل من إفراز العرق من الغدد العرقية خطوة أساسية في الروتين اليومي.
توجد أيضا إجراءات تكميلية تساعد في السيطرة على المشكلة فإزالة الشعر الزائد من مناطق مثل الإبطين يقلل من مساحة السطح التي يمكن أن يلتصق بها العرق والبكتيريا. كما أن اختيار الملابس المصنوعة من أقمشة طبيعية كالقطن يسمح بتهوية أفضل للجلد ويساعد على تبخر العرق سريعا على عكس الألياف الصناعية. وفي الحالات الشديدة من فرط التعرق يمكن اللجوء إلى حلول طبية مثل حقن البوتوكس التي تعمل على تثبيط نشاط الغدد العرقية بشكل مؤقت. وينبغي دائما استشارة الطبيب إذا كانت رائحة الجسم قد تغيرت فجأة أو أصبحت قوية جدا لاستبعاد أي أسباب صحية كامنة تتطلب علاجا متخصصا.