مقاومة الأنسولين خطر يتجاوز القلب.. علماء يكشفون عن تهديدات صحية غير متوقعة

مقاومة الأنسولين خطر يتجاوز القلب.. علماء يكشفون عن تهديدات صحية غير متوقعة
مقاومة الأنسولين خطر يتجاوز القلب.. علماء يكشفون عن تهديدات صحية غير متوقعة

كشفت دراسات علمية حديثة عن وجود علاقة عميقة وغير متوقعة بين صحة الجسم الأيضية والحالة النفسية للفرد حيث لم تعد اضطرابات التمثيل الغذائي مرتبطة فقط بالسمنة أو مرض السكري بل أصبحت تُعرف كأحد المسببات الخفية للاضطرابات المزاجية وعلى رأسها الاكتئاب وتعتبر مقاومة الأنسولين اليوم عاملاً محورياً في هذا المجال.

أوضحت الدكتورة شباني سيثي الطبيبة النفسية بجامعة ستانفورد أن واحداً من كل ثلاثة أشخاص في الولايات المتحدة يعاني من مقاومة الأنسولين وهي حالة تزيد من خطر الإصابة بالاكتئاب بمقدار الضعف حتى لدى الأفراد الذين لا يملكون تاريخاً مرضياً نفسياً سابقاً وأشارت إلى أن هذا الربط هو جوهر ما يعرف بالطب النفسي الأيضي وهو حقل طبي ناشئ يركز على دراسة تأثير التوازن الأيضي في الجسم على وظائف الدماغ وكيف يمكن أن يؤدي أي خلل في هذا التوازن إلى اضطرابات نفسية حادة سواء كان مصدر الخلل في الدماغ ذاته أو في أعضاء الجسم الأخرى.

في سياق متصل قدمت جامعة ستانفورد دليلاً علمياً قوياً عبر دراسة نشرت في المجلة الأمريكية للطب النفسي كشفت بشكل مباشر عن الارتباط بين مقاومة الأنسولين وارتفاع خطر الإصابة باضطراب الاكتئاب الشديد وقد قادت الدكتورة ناتالي راسغون فريقاً من الباحثين في قسم الطب النفسي والعلوم السلوكية لتحليل بيانات 601 رجل وامرأة شاركوا في دراسة هولندا الطولية وكان متوسط أعمارهم 41 عاماً ولم يكن لدى أي منهم تاريخ سابق من الاكتئاب أو القلق.

على مدار تسع سنوات من المتابعة الدقيقة للمشاركين أظهرت النتائج أن الأشخاص الذين لديهم مؤشرات مرتفعة لمقاومة الأنسولين كانوا أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب بشكل ملحوظ حيث اعتمد الباحثون على ثلاثة مقاييس رئيسية لتقييم هذه الحالة وهي مستوى الجلوكوز في الدم أثناء الصيام ومحيط الخصر الذي يعكس تراكم الدهون في منطقة البطن ونسبة الدهون الثلاثية إلى الكوليسترول الجيد HDL.

كانت الأرقام التي توصلت إليها الدراسة مثيرة للقلق فقد تبين أن زيادة معتدلة في مقاومة الأنسولين ارتبطت بارتفاع خطر الإصابة بالاكتئاب بنسبة تصل إلى 89% كما أن كل زيادة بمقدار خمسة سنتيمترات في دهون البطن رفعت احتمالية الإصابة بنسبة 11% وفي الوقت نفسه ارتبطت زيادة مستوى الجلوكوز أثناء الصيام بمقدار 18 ملغم/ديسيلتر بزيادة خطر الإصابة بالاكتئاب بنسبة 37% وأكد الباحثون أن هذه العلاقة ظلت قوية حتى بعد استبعاد تأثير عوامل أخرى مثل العمر والجنس وأسلوب الحياة.

ولتفسير هذه الظاهرة أوضحت الدكتورة راسغون أن تأثير مقاومة الأنسولين لا يقتصر على أعضاء الجسم مثل الكبد والعضلات بل يمتد ليصل إلى الدماغ نفسه فالأنسولين يؤدي دوراً حيوياً في تنظيم استهلاك الطاقة داخل الخلايا العصبية وعندما تفقد هذه الخلايا حساسيتها واستجابتها للأنسولين يحدث خلل في توازن النواقل العصبية المسؤولة عن الحالة المزاجية مثل السيروتونين والدوبامين وهو ما يمهد الطريق لتطور اضطرابات المزاج والاكتئاب المزمن.

بناء على هذه النتائج يرى الخبراء أن الوقت قد حان ليتعامل مقدمو الرعاية الصحية مع الصحة النفسية والتمثيل الغذائي ككيان واحد لا يتجزأ فيجب على الأطباء النفسيين التفكير في إجراء فحوصات أيضية لمرضاهم كما يجب على أطباء الغدد الصماء والسكري الانتباه إلى الحالة النفسية لمرضاهم الذين يعانون من اضطرابات التمثيل الغذائي فالوقاية تبدأ بالفحص المبكر حيث إن اختبارات مقاومة الأنسولين متاحة وغير مكلفة ويمكنها أن تكشف عن الخطر قبل تفاقمه.

تتجه التوصيات الطبية نحو تبني نمط حياة صحي كخط دفاع أول حيث تنصح الدكتورة سيثي باتباع نظام غذائي متوازن غني بالحبوب الكاملة والبروتينات الصحية مع ضرورة تجنب الأطعمة المصنعة والسكريات المضافة إلى جانب الالتزام بممارسة الرياضة بانتظام والحصول على قسط كاف من النوم لأن تحسين التمثيل الغذائي في الجسم ينعكس مباشرة على تحسن وظائف الدماغ وصحته ويعتقد أطباء جامعة ستانفورد أن السنوات القادمة ستشهد تطوراً كبيراً في مجال الطب النفسي الأيضي وبروتوكولات علاجية جديدة تدمج بين العلاج النفسي والتغذية العلاجية وإدارة مقاومة الأنسولين لعلاج الاكتئاب من جذوره البيولوجية.