
تتوج مسيرة العالم عمر ياغي العلمية كوكبة من أرفع الجوائز العالمية التي تضعه في مصاف عظماء العلم مثل جائزة الملك فيصل العالمية وجائزة وولف وبلزان وسولفاي ليصبح بذلك أحد أكثر العلماء تأثيرا في العصر الحديث وتستشهد الأوساط العلمية بأبحاثه أكثر من مئتين وخمسين ألف مرة.
انطلقت هذه الحكاية الملهمة من بيئة متواضعة للغاية حيث نشأ الطفل عمر ياغي في بيت طيني بأطراف البادية مع أحد عشر فردا آخرين يتشاركون جميعا غرفة واحدة لم تكن تلك الظروف القاسية عائقا أمام حلم بدأ يتشكل في ذهن طفل بدوي شق طريقه نحو المجد العلمي بعزيمة لا تلين.
على الرغم من أن والده لم يكمل تعليمه إلا للصف السادس وأن والدته كانت أمية إلا أنهما منحاه إرثا أثمن من كنوز الدنيا وهو الإصرار والإيمان بقدرته على تحقيق المستحيل لقد أشعلا في نفسه شغفا للمعرفة وعندما حان وقت الرحيل إلى الولايات المتحدة وهو في سن الخامسة عشرة كان يحمل معه إيمان أهله البسيط بأن الأحلام قادرة على هزيمة الواقع.
مثلت رحلته الأكاديمية قصة نجاح متصاعدة فبعد أن انطلقت الشرارة الأولى لأبحاثه في جامعة أريزونا واصل مسيرته متنقلا بين أعرق المؤسسات العلمية في هارفرد وميتشغان وكاليفورنيا ونتج عن هذا المسار الحافل أكثر من ثلاثمئة بحث علمي وسبعين براءة اختراع جعلت منه رمزا للعقل السعودي الذي يتخذ من المختبرات منارة لصناعة المستقبل.
تجسد قصة ياغي التحول الذي تشهده المملكة في ظل قيادة الأمير محمد بن سلمان الذي جعل من دعم العلماء والمبتكرين أساسا لمشروع وطني طموح فالرؤية الجديدة حولت البلاد إلى بيئة حاضنة للمعرفة تفتح أبوابها لكل موهبة وتؤمن بأن العقول هي أثمن ثرواتها وهو ما يلخصه ياغي بقوله إن العلم هو أعظم قوة للمساواة في العالم.
ما زال العالم الكبير يحتفظ في داخله بروح ذلك الطفل الذي كان يلاحق أحلامه بجوار الماشية في بيت طيني بسيط فهو يؤمن بأن العبقرية ليست حكرا على أحد بل هي نتاج الإصرار والعمل الجاد والعزيمة التي لا تعرف الكلل.
تمثل سيرة عمر ياغي قصة وطن آمن بالعلم وفتح لعقول أبنائه أبواب المستقبل لتصبح حكايته إرثا يروى للأجيال الجديدة ويثبت للعالم أن الصحراء قادرة على إنجاب العقول التي تبهر الكوكب بإنجازاتها.