
كشفت دراسة علمية حديثة عن وجود علاقة مباشرة بين تقدم عمر الأب وزيادة احتمالية ظهور طفرات جينية ضارة في حيواناته المنوية وهو ما يؤثر بشكل مباشر على نتائج الحمل وصحة الأبناء المستقبليين. البحث الجديد يسلط الضوء على عامل كان يتم تجاهله نسبيًا ويؤكد أن الخطر الوراثي الخفي ينمو مع مرور السنوات لدى الرجال.
أوضح الباحثون أن هذه الزيادة في الطفرات لا تعود فقط إلى التراكم العشوائي للتغيرات في الحمض النووي بمرور الزمن بل ترجع أيضًا إلى عملية انتقاء طبيعي دقيقة تحدث داخل الخصيتين. وبموجب هذه الآلية تكتسب بعض الطفرات ميزة تنافسية تجعلها تتكاثر وتتفوق على الحيوانات المنوية السليمة مما يزيد من فرصة انتقالها عند الإخصاب.
ولتعزيز هذه النتائج أجرى فريق من الباحثين دراسة تكميلية واسعة النطاق حللت بيانات أكثر من أربعة وخمسين ألفًا من الآباء والأمهات وأطفالهم إلى جانب ثمانمئة ألف شخص صحيح. ركز هذا التحليل على الطفرات التي انتقلت فعليًا إلى الأبناء بدلاً من مجرد رصدها في الحيوانات المنوية مما قدم دليلاً قاطعًا على انتقال الخطر من الأب إلى الطفل.
وفي إحدى الدراسات التي شملت واحدا وثمانين متطوعًا يتمتعون بصحة جيدة وجد الفريق البحثي أن الرجال في أوائل الثلاثينيات من عمرهم يحمل حوالي اثنين بالمئة من حيواناتهم المنوية طفرات قد تسبب أمراضًا. ترتفع هذه النسبة بشكل ملحوظ لتتراوح بين ثلاثة وخمسة بالمئة لدى الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين ثلاثة وأربعين وأربعة وسبعين عامًا وتصل إلى أربعة ونصف بالمئة لدى من يبلغون من العمر خمسة وسبعين عامًا.
تمكنت الدراسة الثانية من تحديد ما يزيد على ثلاثين عاملًا وراثيًا حيث تمنح الطفرات فيها خلايا الحيوانات المنوية ميزة تنافسية وقد ارتبط الكثير منها باضطرابات نادرة في النمو وأنواع مختلفة من السرطان. وأشار الباحثون إلى وجود تداخل كبير بين هذه العوامل الوراثية وتلك التي تم رصدها مباشرة في عينات الحيوانات المنوية بالدراسة الأولى وهو ما يؤكد أن الانتقاء الطبيعي الملاحظ داخل الخصيتين ينعكس مباشرة في الحمض النووي للأطفال.
ولم تكن هذه الطفرات عشوائية إذ ارتبط بعضها بوظائف حيوية مثل نمو الخلايا وتطورها بينما تبين أن البعض الآخر وثيق الصلة باضطرابات النمو العصبي الشديدة التي قد تظهر لدى الأطفال. كما حذر العلماء من أن بعض هذه التغيرات الجينية قد تزيد من خطر الإصابة بالسرطان الوراثي أو تضعف عملية الإخصاب وتطور الأجنة أو تؤدي في النهاية إلى فقدان الحمل.
وأكد مات هيرلز الأستاذ في معهد ويلكوم سانجر والذي شارك في إعداد الدراستين أن بعض التغيرات في الحمض النووي لا تبقى ثابتة فحسب بل تنمو وتتوسع داخل الخصيتين. يعني هذا أن الآباء الذين يؤخرون الإنجاب قد يكونون أكثر عرضة لنقل طفرة ضارة إلى أطفالهم دون أن يعلموا بذلك.