
تعميق التصنيع المحلى.. استراتيجية شاملة لتعزيز الإنتاج وتقليص الاعتماد على الواردات
تولي الحكومة المصرية أهمية كبيرة لملف تعميق التصنيع المحلي، باعتباره أحد المحاور الرئيسية لتعزيز الاعتماد على المنتج الوطني، والحد من الاستيراد، ورفع مساهمة الصناعة في الناتج المحلى الإجمالى. وتأتي هذه الجهود في إطار خطة أوسع تسعى من خلالها الدولة إلى تقليص الفجوة بين الصادرات والواردات، وتحقيق قدر أكبر من الاكتفاء الذاتى، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية العالمية التي أظهرت ضرورة بناء قاعدة إنتاجية محلية قوية ومستدامة.
برنامج تعميق التصنيع المحلي يُعد من أبرز المبادرات الحكومية التي تهدف إلى تعزيز تنافسية الصناعة المصرية من خلال إحلال المنتجات المحلية محل المستوردة، والعمل على توفير قاعدة صناعية متكاملة من الموردين المحليين.
وتستند فكرة البرنامج إلى تصنيع مدخلات الإنتاج محلياً، بما يساهم في تقليل الاعتماد على الخارج سواء في السلع تامة الصنع أو في مستلزمات الإنتاج، فضلاً عن تشبيك المصانع المحلية ببعضها البعض لتحقيق التكامل الصناعي المنشود.
وقد حددت الحكومة 152 مكوناً إنتاجياً سيتم العمل على تصنيعها داخل مصر، وهي تمثل حجر الأساس في استراتيجية تعميق التصنيع المحلي، إذ يُعوَّل على هذه الخطوة في توفير بدائل وطنية حقيقية للمكونات المستوردة، ما يُسهم في تقوية سلاسل الإمداد وتعزيز مرونة القطاع الصناعي في مواجهة الأزمات العالمية، وفي هذا السياق، تمضي الدولة قدماً في إعداد حصر شامل ودقيق للسلع التي يمكن تصنيعها محلياً، إلى جانب العمل على رفع كفاءة الإنتاج من خلال التعاون مع مراكز البحوث التكنولوجية، والاستفادة من خبرات القطاع الخاص المحلي.
تتقاطع هذه الجهود مع الاستراتيجية الوطنية للتنمية الصناعية الممتدة حتى عام 2027، والتي تستهدف تحقيق عدة أهداف طموحة بحلول العام المالي 2026/2027، أبرزها رفع معدل النمو الصناعي إلى 8%، وزيادة مساهمة الصناعة في الناتج المحلي الإجمالي إلى 20%، فضلاً عن تحقيق معدل نمو سنوي للصادرات يتراوح بين 18% و25%. كما تركز الاستراتيجية على التوسع في تبني مفاهيم الاقتصاد الدائري والصناعات الخضراء، وصولاً إلى الهدف الأوسع للدولة والمتمثل في تحقيق صادرات سنوية تتجاوز 145 مليار دولار.
وتسعى الدولة إلى جذب استثمارات محلية وأجنبية في قطاعات صناعية تُعد ذات أولوية وتمتلك فيها مصر فرصاً ومزايا تنافسية، سواء على المستوى الإقليمي أو العالمي، وذلك من خلال تقديم حزمة متكاملة من الحوافز والدعم الفني الملائم لخصوصية كل قطاع. وتحرص الحكومة في هذا الصدد على تهيئة المناخ الصناعي المناسب، بالتنسيق مع مختلف الجهات المعنية، لضمان تفعيل هذه الجهود بشكل واقعي وفعّال.
ويجري حالياً العمل على تعميق التصنيع المحلي في قطاعات صناعية متنوعة تشمل الصناعات الهندسية، ومكونات السيارات، والأجهزة المنزلية، والصناعات الكيماوية، والمنتجات البلاستيكية، وصناعات الغزل والنسيج والملابس الجاهزة. كما يتم التعاون مع البنك المركزي لتفعيل برامج تمويلية مخصصة لدعم هذا التوجه، إلى جانب الشراكة مع منظمات دولية مثل “يونيدو” والوكالة الألمانية للتعاون الدولي، بهدف نقل التكنولوجيا الحديثة وتطوير البنية التحتية الصناعية.
وفي إطار هذه التحركات، تعمل الدولة حالياً على الانتهاء من إعداد قائمة مفصلة بالمنتجات المستوردة التي يمكن تصنيعها محلياً باستخدام تكنولوجيا متقدمة، وذلك بهدف وضع خريطة واضحة لإحلال الواردات، وتعزيز قدرات التصنيع الوطنية، وتمكين المنتجات المصرية من المنافسة في الأسواق الإقليمية والدولية.